من المستغرب ان تكون  آخر التطــورات في مجــال التواصل بين البشر مستوحاة من أيام الإنسانية الأولى. وأن تكون ذروة التطور الرمزي التواصلي، بالعودة إلى رسومات ونقوش الكهف، وأدوات ما قبل اكتشاف الكتابة.

ولكن  بدل النقش في الكهف، أصبحنا نستخدم الهواتف الذكية. ومع استخدام الكتابة، أصبحنا في حاجة ماسة للتعبير باستخدام رموز تعبيرية “الإيموجي” في حواراتنا اليومية. والرموز التعبيرية هنا ضرورة لا ترف، وربما خلصتنا من مصائب بالمناسبة. ويعرّف قاموس كامبردج الرموز التعبيرية بأنها “صورة رقمية تضاف إلى رسالة في التواصل الإلكتروني بهدف التعبير عن فكرة أو شعور معيَّن”.‏

فقد اخترع الياباني شيجيتاكا كوريتا الرموز التعبيرية في التسعينيات الميلاديـة، واستخدمتها آنذاك شركات الهاتف المتنقل اليابانية. ثم اقتحمت تقنية الصور التعبيرية عالم الهواتف الذكية، فاستثمرت على نطاق واسع في أنظمة “أبل” للتشغيل، و”أندرويد”، وغيرها.‏

ففكرة الكتابة كانت تتعلَّق بالتواصل عبر الأجيال (ضد الآنية) أو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من البشر (ضد الشخصي). إلا أن الإنترنت،والهواتف الذكية، جعلت الكتابة آنية، وشخصية، فأنت تستخدم الكتابة للتواصل الفوري مع أصدقائك، وتنتظر تفاعلهم.‏

 هذا التطور أوجد أزمة “تواصلية” جديدة. فالتواصل الكتابي الشخصي والآني جاف ومباشر. وأصبح مختصراً وخلق لغة خاصة به.‏

من خلال  المحادثات الهاتفية، يمكن أن تعرف “مشاعر” طرف المحادثة الآخر، وانفعالاته، من خلال نبرة الصوت، الضحكة الساخرة التي يطلقها، أو اللغة الجادة التي يستخدمها. أما في التواصل الكتابي الآني فكل هذه “المشاعر” مهملة، ونحن أمام كلمات جافة لا غير. فلا يمكنك أن تعرف إن كان الطرف الآخر في المحادثة جاداً أو ساخراً، غاضباً أو في أفضل حالاته المزاجية.‏

الرموز التعبيرية حلَّت هذه الأزمة. وبدلاً من أن تكون مضطراً لكتابة (أنا جاد … أنا ساخر … أنا أمزح …أنا غاضب) لتوضيح مشاعرك للطرف المقابل، أصبحت الرموز التعبيرية تفي بالغرض. فالابتسامة الصفراء تعبير عن امتعاض، والقرد مغمض العينين تعبير عن الحياء، والقلب عن الحب، والوردة، لا يمكن أن تمنح الوردة معنى محدداً، فهي تعني كل شيء كما يوحي إمبرتو إيكو.‏

كيف ستبدو عبارة “لقد قتلتني” عندما تضعها بلا رمز تعبيري؟ أو تلحقها برمز تعبيري ضاحك؟.‏

وانعكست خلافاتنا الثقافية والاجتماعية على الرموز التعبيرية أيضاً. فارتدت بعض الرموز القبعة الغربية، وارتدت أخرى العمامة الشرقية. وبعض الرموز بات محجباً، ورموز أخرى أصبحت ترتدي ملابس السباحة. وفي تطور لاحق، أصبح لون بشرة الرموز التعبيرية مهماً. فلماذا على هذه الرموز أن تكون كلها صفراء؟ لماذا لا نمتلك رموزاً تعبيرية تعبِّر عن تنوعنا؟‏

هذا ما حصل، لقد أصبح للرموز التعبيرية مجتمع واسع، يضم أفارقة وعرباً وآسيويين إضافة إلى الأوروبيين.‏

فعلى الرموز التصويرية أن تعكس حياتنا بأدق ما يمكن. وهناك رموز أكثر، لكل شيء. فهل سيأتي يوم نمتنع فيه ربما عن استخــدام الكلمـات نهائيــاً، ونكتفي بالرموز؟.‏

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات