ليس صراعاً داخلياً بين حكومة ومعارضة، بل هي حرب وطنية، بكل معنى الكلمة، تخوضها سورية في سبيل الحفاظ على قرارها المستقل وصيانة مصالحها الأساسية وخياراتها الاستراتيجية. حرب لم يرفع فيها دعاة الديمقراطية شعار "إسقاط النظام" إلا لأن البروباغندا الأطلسية تطرب لسماعه، فلمّا تكشّف "النظام" هوية راسخة وطنياً ومجتمعياً، لم يتردد هؤلاء في العمل على إسقاط الدولة السورية عبر محاولة تقطيع أوصالها جغرافياً، وإنهاكها اقتصادياً. وهم اليوم يراهنون على إقفالها من الداخل عبر الإيحاء بأن دمشق يمكن أن تُصبح مدينة للخوف، وعبر الإيهام بأن حلب يمكن أن تنام على الرعب والريبة. يريدونه سيناريو "يوم القيامة". الديمقراطيون "السلميون والمقموعون" من رجال القاعدة ينتقمون من دمشق، وقائد "الجيش السلفي الحر"، البلياتشو، يريد معاقبة الجنرال مود الذي يرفض، لدواع مهنية، تسلّم الرسالة وإعلان موت مهمته. ولكن الشعب السوري لن يتحمل الى الأبد دفع ضريبة الاعتبارات الوظيفية، ولن يتقبل، الى ما لانهاية، إصرار أنان على الوقوف في الوسط، وحرصه على خطب ودّ التحالف الغربي بتهربه من مكاشفة مجلس الأمن بالحقائق، كما لم يعد الشعب السوري يُطيق السلوكية العبودية لدى كي مون، عندما يقصر إدانته، مرة أخرى، على العمليات الإرهابية، دون أن يتوجه بهذه الإدانة للإرهابيين أنفسهم، الذين يقترفون هذه الجرائم، ودون أن يكلف نفسه عبء تسميتهم أو الإشارة الى هويتهم وحتى الى وجودهم. الى متى سينصب السوريون خيم العزاء، والى أي حدٍّ ينبغي لمجزرة يوم أمس أن تُشكل منعطفاً في مواجهة الأزمة؟. ذلك أن المعارضة الموصوفة "سلمية" لا تزال تستقوي بحصائل الضحايا، وهي لاتزال ترى في "الإنجازات" الدموية للمجموعات التكفيرية وسيلة ضغط، وأداة صالحة لتعديل موازين القوى السياسية، بل والانقلاب على الشارع الذي اختار الإصلاح، ومضى الى صناديق الاقتراع، متجاهلاً دعوات المقاطعة، ومتحدياً الرهانات البائسة على إمكانية تطويعه. ردّت المجموعات الإرهابية سريعاً على دعوات الجنرال مود في درعا لوقف العنف بتفجيرين غير مسبوقين في القزاز، وردّت على كثافة الاقتراع في انتخابات مجلس الشعب بالانتقال من القتل الانتقائي الى سياسة الأرض المحروقة، والقتل الجماعي الذي يستهدف أكبر كتلة بشرية يُمكن أن تتوفر خلال ساعة الذروة الصباحية. لم يفرق الإرهابيون بين طلاب المدارس وموظفي الإدارات وعمال المصانع والمعامل وطلبة الجامعة في التقاطع العريض على الطريق السريعة المؤدية الى أحد مداخل جنوب العاصمة. كان واضحاً أن تصريحات الجنرال مود، في موقع الجريمة، كانت شيئاً آخر غير ما تشي به ملامح وجهه!. فهل كان على الجنرال أن يقول غير ما يُفكر به، وغير ما يعتقده، تحسباً لردة فعل الامبراطورية الأمريكية؟. وهل ينبغي على السوريين أن يدفعوا من دمائهم ثمن نجاح خطة وافق عليها التحالف الغربي مكرهاً، فيما هو يدرك ضمناً أنها لن تكون إلا مصيدة لتقطيع أذرعه الإقليمية، التي تدير وتشرف على عمليات تمويل وتهريب الأسلحة والمسلحين الى سورية، عبر الحدود البرية شمالاً وجنوباً، وفي مياه البحر المتوسط قادمة من ليبيا الجمهورية الوليدة للشريعة والقاعدة؟!. إرهاب محض! يسجل بطريقة أو أخرى الإخفاق التكتيكي والسياسي والاستراتيجي لمجموعات تكفيرية تُمارس العدمية الدينية والأخلاقية، ومجلس اسطنبولي يرضع من مذهبية حمد وأردوغان، مُحنياً ظهره لكي يصنع لهما دوراً إقليمياً، ومعسكر أطلسي لايعرف كيف يمضي بميثاقه مع الشيطان، وهو الذي لم يضع في حسابه إشارة إنذار بالانهيارات التي بدأت مع سقوط حشرة مثل ساركوزي. يرفع الجميع موجة الإرهاب الى الذروة، في وقت يُسجل الواقع على الأرض فشل هذه الاستراتيجية. يريدون تكرار سيناريو المراقبين العرب مع القبعات الزرق، في وقت يُكابد أنان والمجتمع الدولي هواجس الوقوع، مرة أخرى، ضحية تضليل الاستخبارات الأمريكية وأكاذيب عملائها المحليين، التي شكلت ذات يوم أساس الفضيحة العراقية. الشعب السوري يخوض حربه الوطنية، لن يتراجع، ولن يتردد في دفع فاتورة تصنيفه "عدوّ الامبراطورية". البعث سيريا ديلي نيوز

التعليقات