يحمل سكان الرقة وريفها وزر بقائهم تحت نير «داعش» لسنوات، مضاعفاً. فبين بقائهم تحت رحمته، مع ما تحمله طائرات «التحالف الدولي» يومياً من ويلات، ونزوحهم الخطير الممنوع من قبل التنظيم والمحتكر من قبل عشرات المهرّبين، يعيش هؤلاء من دون أمل في «خلاص» قريب، قد لا يعيش بعضهم لرؤيته
أيهم مرعي
ريف الرقة | رحلة طويلة مليئة بالمآسي يخوضها سكان الرقة ودير الزور وريفيهما، ممن عانوا سنين تحت حكم «داعش»، يقطعون خلالها عشرات الكيلومترات للوصول إلى مناطق «آمنة». يروي الفارّون من جحيم «داعش» قصصاً أليمة عن درب الخلاص الذي سلكوه بعدما دفعوا مبالغ طائلة لمهربين تاجروا في معاناتهم.
في مركز تجميع الأقطان في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، يقيم أكثر من ثلاثة آلاف شخص كانوا قد وصلوا أخيراً من المخيم المؤقت في قرية المحمودلي في ريف الرقة الغربي. هؤلاء غابت عنهم عدسات الإعلام ــ إلا ما ندر ــ كما غاب الدعم من قبل منظمات الإغاثة الدولية، التي تكاد لا تقدم شيئاً للسوريين الهاربين من قصف «التحالف الدولي».
وجوه القاطنين في المخيم تحكي قصصاً أليمة عن ثلاثة أعوام ونيّف من تسلّط «داعش»، مارس خلالها الأخير وحشية كبيرة بحق أبناء الرقة وريفها. يروي «أبو محمد» الفار من مدينة الرقة، من على كرسي الحلاقة الذي لم يجلس عليه منذ أكثر من عامين، معاناة نزوحه مشياً على الأقدام لما يزيد على عشرين يوماً «هرباً من صواريخ (التحالف) وبنادق (داعش)». ويقول إن «الرقة تعرضت لقصف ربما لم تشهده أي مدينة سورية أخرى.
يتواطأ «داعش»
مع المهربين مقابل الحصول على
أموال إضافية
يكاد لا يمر يوم من دون أن تقصف المدينة بوابل من الصواريخ، ونحن لم نعد نعرف من يقصفنا». ويشرح أن «الدواعش (عناصر داعش) تغلغلوا بين المدنيين، وحوّلوا المدينة إلى ساحة من الخنادق والسواتر». وهو ما تؤكده خديجة، ابنة حي المشلب، التي تقول في حديثها إلى «الأخبار»: «لا قيمة لحياة الإنسان في الرقة. الكل ضد البشر هناك... حتى الماء بدأ يقلّ، والحياة لم تعد تطاق». ويوضح خالد، الفار من بلدة المنصورة شرقي مدينة الطبقة، أنه «منذ أقل من شهر قصف (التحالف) مركزاً للنازحين من تدمر وريف حلب الشرقي، ما أجبر المدنيين على الفرار والنجاة بأرواحهم». ويمنع تنظيم «داعش» أي مدني من الخروج من مناطق سيطرته. ويُعدم أي شخص يضبط محاولاً الفرار في الساحة العامة، وفق ما يقول أحمد. ويشرح أن «عناصر التنظيم يدركون أن بقاءهم وحدهم في تلك المناطق يعني فناءهم المحتوم».
وإلى الشرق، وفي مطار القامشلي، يوجد المئات من أبناء الرقة الذين يبحثون عن السفر إلى العاصمة دمشق. ضيق مساحة مخيم عين عيسى وعدم القدرة على توفير احتياجات الأعداد المتزايدة من الفارين من المعارك، دفعا بإدارة المخيم إلى تسهيل إجراءات مغادرته، على عكس ما يشهده مخيم الهول. فسكان المخيم الجدد لا يحتاجون إلا إلى كفالة من أي شخص من أرياف الرقة الواقعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، أو من أي من سكان محافظة الحسكة، حتى يسمح له بالمغادرة نحو الوجهة التي يريدها. وعليه، اختار أغلب المغادرين الانتقال نحو أقاربه في ريف الرقة، فيما قصد آخرون مطار القامشلي للسفر نحو أقارب لهم في دمشق أو باقي المحافظات السورية.
يتحرك أبو حسين، القادم من مدينة معدان في ريف الرقة الشرقي باتجاه مجموعة من الصحافيين في المطار، ويصرخ بصوت مبحوح «يا صحفيين اكتبوا حتى يعرف العالم. لقد حوّلونا لسلعة، المهربين يبيعونا فيما بينهم، دفعنا ربع مليون ليرة للفرد الواحد حتى وصلنا للقامشلي». ويتابع كلامه بحسرة: «عمري أكثر من ستين سنة، لم أشهد إهانة كما أشهدها في هذه الأيام. توقعت كل شيء إلا أن أباع وأشترى وأدفع كل ما أملك حتى أصل إلى الأمان البعيد عن (داعش) والطائرات».
حديث أبو حسين يكرره بدوره ماجد، الشاب العراقي الفار من الموصل إلى الرقة ومنها إلى مخيم عين عيسى. ويوضح بالقول: «هربنا من الموصل إلى الرقة وسلكنا طرقاً وعرة كثيرة، وكانت وجهتنا بلدة الهول في الحسكة بعدما دفعنا أكثر من 150 دولاراً على الشخص، تفاجئنا بأننا وصلنا إلى الرقة، وعدنا ودفعنا ذات المبلغ حتى وصلنا إلى عين عيسى». ويضيف «(داعش) يغضّ الطرف عن تهريبنا بالتواطؤ مع المهربين للحصول على مزيد من المال».
الأخبار
سيريا ديلي نيوز
2017-04-26 05:50:03