سيريا ديلي نيوز- د.نهلة عيسى

شجرتان تعانقتا تحت ضوء الشمس، فولد الفيء، أيها الغريب: عناقنا المفترض، عقيم، لأن العتمة تقتله، ولأن الجسد يهرم، وكما تعرف يا غريب، لا تصلح العواطف البكر للتواريخ المستعملة، ولكن ماذا أفعل؟ وقلبي اسفنجة، كلما ازدادت بللاً، كلما كبر حبك؟!.
كان يجب أن لا أحب، ولكني تورطت، كان يجب أن لا أقطع ذاك الطريق، وأن أوصد ذلك الباب، وأن أقفل سماعة الهاتف في وجه القلب، وأن أسدل ستائر الصمم على السمع، وأن لا أستعيد ذاتي المهجورة، ولكني كالراكب ظله، كلما توهم الهروب منه، تعثر فيه، أيها الغريب: واهم من يظن أن الجحيم في السماء!.
كان يجب أن لا أحب، لأن الحب في الحرب، يشبه الكفر، ربما يبرره العقل، ولكن يتوجس منه القلب، ولكن ماذا أفعل، وأنا التي منذ التقيتك، أهرب منك باتجاه الحرب، وأضع رأسي في راجمات الصواريخ، وأقضي أيامي في فوهات المدافع، وأتوهم نسيانك، ثم أكتشف عند المساء، أن حبي لك يشبه الأطفال، متطلب ولحوح، وكثير البكاء، سريع الغضب، وطويل الذاكرة!؟.
كان يجب أن لا أحب، لأن الحب في الحرب، نوع من اختلاط الخطوط، خط نار القلب مع خط نار الحرب، فأي حواجز أعبر، وخلف أي المتاريس أختبئ، وراياتك تعتلي خنادق يقظتي ونومي، وكل الطرق منك وإليك، ومناقير الكواسر في عيوني، والعدو صحارى من الرمال المتحركة!؟.
كان يجب أن لا أحب، لأن الحب في الحرب، ومضة برق على رصيف الأفق، ومشاعر معبأة في زجاجات معتمة، وفرح مبتور، وبسملة فراق، وقوارب مقلوبة على ظهرها على الشواطئ المقفرة، تبدو كتلويحة وداع في لحظة ما قبل الرحيل، لصيف يبدو وكأنه لن يعود!.
كان يجب أن لا أحب، لكن ماذا أفعل؟ ونظراتك تقتلني، جارحة كالسكين، أقرأ فيها زمناً يمتد طويلاً، أقداماً حافية، وعيوناً تتواثب قهراً، نظراتك تأتي من زمن الشوق المتدفق في جسدي شوكاً، وتعبرني حراً، برداً، طوفاناً، أيها الغريب: لا تنتظرني، فأنت تؤلمني بقسوة، وجروحي التي عريتها أمامك، حصان حبك يخوض فيها بالحوافر!؟.
كان يجب أن لا أحب في الحرب، لأن القلوب مطفأة الأنوار، وقد مات الضوء خلف بريق الأعين ووجوه الفرسان، وصار الشنق صلاة يتعاطاها الكل على أعمدة بيضاء. انتحر الحب، والأطفال انهزموا وبكوا دون دموع، وكل قصائدنا وتراتيل الأمهات، باتت نعوة لأسماء الشهداء، هل تصدق يا غريب؟ منذ خمس سنوات، ما رحلت طيور الحب إلى مدن الحلم الخضراء!؟.
أيها الغريب: وطني يأكله الثلج، وأنا أنتظر نهاية الرحلة، أنت أمامي تنتشر كالغيث البارد، وتمر هدوءاً يملأني بالحب والأمان، تأتي كاللحظات العطشى، تتواثب فيك الرهبة والقدرية، ولكنك مثلي محكوم بحصار، فمدننا كافرة، لا يعبرها الغيث، ولا تفتح أجفان النوم، يعاقرها، الموت، الطاعون، العقم، ونحن هنا كالحمقى، ننتظر الزمن الأخضر، والمطر الآتي في أحلام الشوق الوردية!.
أيها الغريب: كان يجب أن لا أحب في الحرب، ولكنني أحببت، وأشهق في سري باسمك كشهقة الولادة وأكتمل، وأتعوذ بحبك من الشيطان، والموت، والخسارة، وأرى في انتظار عناقنا المفترض بشارة بأن النصر لابد آت.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات