التشابكات المالية بين الجهات العامة هي واحدة من أهم التحديات التي تواجه عملها واستمراريتها خاصة في فترة الأزمة ولاسيما مع نقص عمليات التمويل والتقنين بخطط الاستبدال والتجديد وإقامة مشروعات استثمارية جديدة والاقتصار على الضروري فضلاً عن المشكلات الأخرى المتعلقة بنقص الخبرات وصعوبة تأمين المواد الأولية اللازمة للإنتاج.
وتتخذ التشابكات المالية شكل ديون مالية مستحقة لجهة ما على جهة أخرى أو تداخل في عملها وتعدد الجهات الوصائية المسؤولة عن نفس النشاط وبالتالي ارتفاع كتلة الدين لدرجة تهدد عمل الشركات بالتوقف أمام حالة العجز المادي التي تعاني منها.
وقد تمت سابقاً معالجة جزء مهم من تلك التشابكات خلال السنوات الماضية من خلال عدد من الإجراءات منها لحظ الاعتمادات في الموازنة العامة للدولة كإعانات لبعض جهات القطاع الاقتصادي كمؤسسات المياه وشركات النقل الداخلي وتسديد العجوزات الفعلية لبعض المؤسسات والشركات كما تم حل جزء من التشابكات المالية عن طريق تحريك حسابات بعض الجهات الدائنة إضافة إلى صدور عدد من القوانين في السنوات السابقة تم بموجبها معالجة سلسلة كبيرة من التشابكات المالية بين الجهات المدنية والدائنة.
قرارات سابقة
في عام 2001 أقر مجلس الشعب مشروع القانون المتعلق بحل التشابكات المالية بين جهات القطاع العام وتضمن حينها إضافة مبلغ 864 ملياراً و359 مليون ليرة إلى اعتمادات الموازنة العامة للدولة لعام 2011 وإضافة مبلغ معادل إلى تقديرات الإيرادات حسابياً دون أن يترتب على ذلك أي تأدية نقدية وذلك على غرار القوانين السابقة لحل التشابكات المالية على الرغم من أن هذا القانون لم يكن له أي أثر على صندوق الدين العام ولا على الموارد الجارية إطلاقاً ولا يعني خسارة وإنما فض المديونيات المتبادلة بين جهات القطاع العام حيث صدر هذا القانون آنذاك لتسوية أوضاع بعض الشركات ومؤسسات القطاع العام، التي حققت خسائر وعجوزات نتيجة الدعم الاجتماعي الذي تقدمه الدولة للمواطنين ولا سيما الشركات النفطية لبيعها بعض المشتقات النفطية كالفيول والمازوت والغاز بأقل من سعر التكلفة إضافة إلى بعض الشركات التابعة لمؤسسة توزيع واستثمار الطاقة الكهربائية ومؤسسات المياه وشركات الإنشاءات العامة وشركات اقتصادية أخرى.
تشابكات بالجملة
لكن بعد حل مشكلة التشابكات من خلال القانون السابق عادت وتجددت لأن أي جهة لا تستطيع أن تعمل بمعزل عن الجهات الأخرى وبالتالي العمل وفق آلية السوق أو القوانين التي تفرض التعاون فيما بينهما وتعدد الجهات المسؤولة عن نشاط اقتصادي ولتغير الظروف الاقتصادية من حركة سعر القطع الأجنبي وارتفاع كتلة الرواتب والأجور والنفقات ولغياب المحاسبة في التأخر بتسديد المديونيات المستحقة.
وبنظرة متأنية لواقع عدد من الشركات التي تعاني من التشابكات المالية تظهر خطورة هذه المشكلة وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني.
حيث إن الشركة العامة للصناعات المعدنية (بردى) لها على مؤسسة سندس نحو 48 مليون ليرة منذ أكثر من خمس سنوات وكذلك فإن شركة الأسمدة لها على المصرف الزراعي مبالغ كبيرة نتيجة استجراره الأسمدة منها والمصرف الصناعي له مبالغ كبيرة أيضاً على عدد من الشركات وكذلك مؤسسة التأمينات الاجتماعية لها مبالغ على عدة مؤسسات، وشركات الدباغة لها ديون على شركة الأحذية، ووزارة المالية لها مبالغ على عدد من الشركات، والقائمة تطول حيث إن معظم شركات القطاع العام إما دائنة أو مدينة.
هيئة عليا
الدكتور عابد فضيلة أستاذ التحليل الاقتصادي بجامعة دمشق اعتبر أن مشكلة التشابكات المالية هي قديمة جديدة وستبقى طالما أن هذه الجهات تعتمد في حلها على بعضها البعض ودون تدخل من الحكومة بمعنى جهة أعلى تتحمل مسؤولية القرارات والبت بهذه التشابكات كونها تنتج ديوناً معدومة ومشكلات أكبر من صلاحية أو قدرة هذه الجهات سواء أكانت دائنة أم مدينة حيث تتطلب صلاحية إلغاء أو شطب الديون أو حتى قرارات مهمة لا تستطيع الجهات ذات التشابكات حلها لوحدها.
ويرى دكتور فضيلة أنه لحل هذه التشابكات لا بد من تشكيل هيئة عليا ذات صلاحيات واسعة تملك قرار الحل أو على الأقل تستطيع أن تقدم اقتراحات الحلول إلى مجلس الوزراء الذي يتخذ القرارات المناسبة.
أما في الحالة الراهنة فلا تستطيع أي من الجهات التي لديها تشابكات أن تتنازل عن حقوقها أو تشكّل لجان تقص أو إلغاء ديون متعثرة وحل خلافاتها فيما بينها.
أخيراً
إن حل هذه المشكلة يمثل ضرورة وطنية واقتصادية حتى لا نخسر أي من شركاتنا الإنتاجية والحل يكون بتشكيل هيئة عليا أو إصدار قانون جديد أو التسديد أو وضع آليات تمنع تراكم هذه التشابكات مستقبلاً.
سيريا ديلي نيوز
2016-05-22 21:34:38