بعد الانتهاء من دورة اللغة يتعين على اللاجئ البدء في البحث عن عمل. ولكن ما هي فرص اللاجئين السوريين في ظل الصعوبات القائمة؟ وهل تُؤْتِي محاولاتهم

تحت زخات المطر المنهمرة من سماء حي نويكولن في برلين يمشي سامر (30 عاماً) بخطى ثابتة ليدخل محلاً لبيع وتصليح الهواتف النقالة. يمكث هناك بضع دقائق. يسلم ما في جعبته من الهواتف النقالة ويستلم هواتف جديدة لصيانتها. ثم يخرج مسرعاً إلى محل آخر. يجلس في ركن خلفي في أحد المحال أو في شقته ليتم عمله. يدخل سامر عامه الثالث في ألمانيا وهو على أبواب الانتهاء من دورة اللغة. "لست راضياً عن نفسي وأنا أعيش على المساعدات الاجتماعية؛ أريد أن أصل لمرحلة أستطيع الوقوف على قدمي والاعتماد على نفسي"، يقول سامر

دخل سامر سوق العمل بدوام جزئي منذ ما يقارب العام وسيبدأ في الشهر المقبل العمل بدوام كامل في إحدى المحال. سامر واحد من عدد كبير من اللاجئين السوريين، الذين يحاولون دخول سوق العمل في ألمانيا والاستغناء عن المساعدات الاجتماعية التي تمنح للعاطلين عن العمل.

اللغة حاجز وإتقانها مفتاح للفرص

تعمل هيام (49 عاماً) كمشرفة اجتماعية للاجئين القُصّر الذين قدموا من دون ذويهم. تحمل هيام إجازة في اللغة الإنكليزية وعملت في سوريا في مجال السكرتارية التنفيذية وإدارة المكاتب. أنهت الدورة اللغوية بنجاح. بيد أن هذا لم يحسّن فرص حصولها على العمل الذي تريد. "أرسلت طلبات كثيرة جداً للشركات دون فائدة. ولمست الفرق بين اللغة التي تعلمتها في المدرسة ولغة الشارع والعمل، مما خلق عندي في البداية حالة من الخوف من مواجهة المجتمع والانخراط في العمل". توافقها الرأي المهندسة الكيميائية رنا الحاج : "المستوى اللغوي الذي يموله مركز العمل غير كاف. ولدخول سوق العمل بشكل قوي لا بد من إنهاء مستوى C1 وليس B1. ناهيك عن أنه لا يوجد دورة لغوية اختصاصية هندسية، أسوة بالأطباء".

سامر الخمران يريد تقوية لغته أكثر بما يمكنه من التفاعل مع الزبائن الألمان

لا يواجه سامر مشكلة في مجال اللغة، لأن أغلب زبائنه من العرب. غير أنه يريد "تقوية لغتي أكثر بما يمكنني من التفاعل مع الزبائن الألمان". وصل المهندس رامي (28 عاماً) لمستوى B2 في اللغة الألمانية. ويعمل بجد منذ وصوله إلى ألمانيا قبل عام لتعلم اللغة. دخل رامي ألمانيا بفيزا دراسية ولكنه قدم قبل أكثر من أربعة أشهر طلب لجوء لـ"أضمن تمديد إقامتي وليس الحصول على المساعدات. في حال حصلت على عقد عمل سألغي طلب اللجوء"

تعتقد هيام "أنه ولولا فرص العمل مع اللاجئين كنت أنا وكثيرين الآن من الباحثين عن عمل. وبالتأكيد لن يكون هذا العمل دائماً ولكنه خطوة مفيدة للتعرف على نظام العمل مما يؤهلني لاحقا للتطور المهني". غير أنها لا تخفي شعورها بالراحة لأنها تشارك ولو بجزء بسيط في تخفيف معاناة ضحايا الحروب من بلدها أو من البلدان الأخرى. لم يُسمح لنا بالدخول ولا التصوير ولا حتى معرفة أين يقع مآوى القاصرين، حرصا على حمايتهم وخصوصية وضعهم.

التدريب العملي الخطوة الأولى

بدأ رامي تدريباً في إحدى الشركات في التاسع عشر من الشهر الماضي. "تعرفت على مهندس يعمل في الشركة أثناء نشاط لمساعدة اللاجئين. شجعني على تقديم طلب التدريب. أجرى المدير معي مقابلة في منتصف النهار وباشرت التدريب بعد عصر ذلك اليوم"، يقول رامي والسرور باد على محياه. كما تقدم بطلب تدريب ثان إلى شركة الاتصالات الألمانية، تيليكوم. لم يتخل رامي عن طموحه في متابعة دراسته في مجال الشبكات، ولكنه يعمل بنصيحة أستاذه في الجامعة في سورية: "لابد من العمل بين كل مرحلة دراسية وأخرى في المجال الذي تنوي متابعة الدراسة فيه"، يفيدنا رامي بخصوص سعيه وراء التدريب والعمل.


رنا الحاج :أريد لأطفالنا أن يعيشوا من تعبنا وعملنا

صُدمت رنا الحاج لأن اختصاصها الأساسي لا فرص عمل كثيرة له هنا، فالتحقت بدورة للتطوير المهني في مجال التقانة الحيوية مدتها ستة أشهر ممولة من مركز العمل. استفادت منها بالتعرف على أفق جديد وخصوصا المخابر الحديثة. وهي الآن تنجز تدريباً في "المعهد الاتحادي لتقييم المخاطر"، الذي يقدم المشورة العلمية في القضايا المتعلقة بسلامة الغذاء والمنتجات لحماية صحة المستهلك. يقدم المعهد فرصة التدريب هذه للاجئين.

أما زوجها نعمان  (39 عاماً)، فيتبع دورة للتأهيل المهني لمدة سنة ونصف في شركة سيسنا لصنع الطائرات المدنية الصغيرة. "كنت ضابط مهندس في الجيش السوري برتبة رائد. أحمل شهادة الماجستير في مجال الإلكترونيات الصناعية وعملت في مصنع لتعمير الطائرات الحربية.  لا يخفي الزوجان فرحهما بما حققاه خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً. "استعدت توازني النفسي والمادي"، يقول الزوج. وتعقب رنا: "أريد لأطفالنا أن يعيشوا من تعبنا وعملنا".

سيريا ديلي نيوز


التعليقات