مما لا شك فيه أن الألم الاقتصادي المفروض على سورية بحكم تداعيات الحرب، واللؤم الاقتصادي المفروض بحكم العقوبات الاقتصادية الجائرة؛ تضع الحكومة السورية أمام خيارات مكلفة لتأمين حاجات المواطنين المعيشية، وتلبية مقومات الصمود.


لذا يتم اللجوء أحياناً إلى شركات خاصة لتأمين انسياب بعض المواد الأساسية مهما كانت كلفتها، حرصاً على توفير السلع في الأسواق المحلية رغم الحرب.


 ولكن يبدو أن بعض هذه الحالات يشوبها الشك في دقة التنفيذ، ما يفوت على الخزينة ملايين الليرات السورية، من شأنها تخفيض الكلفة الإجمالية لتوريد السلع والمواد الضرورية التي ارتفعت بشكل كبير بسبب الحصار وظروف الحرب.
ويبدو أن بعض الجهات الرقابية على علم بحالات خلل في تنفيذ عقود توريد مواد أساسية لمصلحة مؤسسات حكومية، من دون أن تتمكن «الوطن» من الحصول على معلومات مؤكدة تفيد بأن هناك تحقيقات جارية في تلك العقود.


ومن أمثلة العقود التي يطولها الشك في دقة التنفيذ علمت صحيفة "الوطن" المحلية بأن عقداً لتوريد 300 ألف طن من مادة السكر الأبيض بقيمة 170.4 مليون يورو لمصلحة مؤسسة الخزن والتسويق أثار شكوك بعض المعنيين، وخاصة لجهة التأخر في تقديم عقد التأمين على البضاعة الموردة، والتعاقد مع شركة تأمين خاصة بدلاً من الشركة العامة السورية للتأمين.


 البضاعة في المخازن قبل التأمين!
تفيد الوثائق بأن مؤسسة الخزن والتسويق أبلغت المؤسسة العامة السورية للتأمين بتاريخ 9 حزيران 2014 أنه تم توريد 140 ألف طن حتى تاريخه من دون تقديم عقد التأمين، وحالياً تم إحضار عقد تأمين من شركة تأمين خاصة. علماً أن المادة التاسعة من العقد المبرم بين مؤسسة الخزن والشركة الخاصة الموردة للسكر تفيد بأن التأمين يقع على عاتق الشركة الموردة.
إذاً تبدأ التساؤلات من توريد قرابة نصف الكمية المتفق عليها في العقد (140 ألف طن من أصل 300 ألف طن) من دون تقديم عقد تأمين من الشركة الموردة، فكيف نقل الشاحن البضاعة من دون عقد تأمين؟ يسأل بعض المعنيين الذين التقتهم «الوطن» في سياق تحقيقها الصحفي في الموضوع.


وتفيد معلومات وقفت عليها «الوطن» أن مبلغ التأمين في الشركة الخاصة لا يتناسب مع المعدل المعتمد في الشركة السورية للتأمين، ولا يتوافق مع بنود العقد، لدرجة يمكن اعتبار مبلغ التأمين زهيداً جداً، مقارنة بقيمة العقد البالغة 170.4 مليون يورو، فلو تم التأمين لدى السورية للتأمين سيكون بدل التأمين بحدود 340.8 ألف يورو، بينما تم التأمين لدى الشركة الخاصة بمئات آلاف الليرات السورية!


 تجاهل «السورية للتأمين»
أكد مدير عام المؤسسة السورية للتأمين الدكتور ياسر المشعل لصحيفة "الوطن" مخالفة الشركة الموردة لبنود العقد، إذ لم تقم بالتأمين لدى الشركة السورية للتأمين، ولم تأخذ موافقتها لدى تعاقدها للتأمين على البضاعة لدى شركة تأمين خاصة. وهذا كان فحوى رد المؤسسة السورية للتأمين على مراسلات مؤسسة الخزن والتسويق.
ويبين المشعل إن المؤسسة العامة للتأمين لا تتحمل مسؤولية مخالفة الشركة الموردة لبنود العقد كونها ليست طرفاً تعاقدياً في العقد المبرم بين الخزن والتسويق والشركة الموردة، موضحاً أن المسؤولية تقع على عاتق الخزن والتسويق في متابعة وتدقيق تنفيذ بنود العقد كونها الجهة التي أبرمت العقد من الشركة الموردة.
مشيراً إلى أن نسبة البدل لدى السورية للتأمين على هذه الخدمة 2 بالألف، بينما يمكن أن يكون البدل في الشركات الخاصة بحدود 5 بالعشرة آلاف.


ويبرر المشعل التدني الكبير في مبلغ التأمين لدى الشركة الخاصة بخلو العقد من المخاطر، فبعد وصول البضاعة إلى مقصدها تصبح المخاطر معدومة، لذا تربح الشركة المؤمنة مهما كان مبلغ التأمين.


وأكد المشعل أن المؤسسة تقوم بشكل دائم لتذكير مؤسسات القطاع العام بتعميم رئاسة مجلس الوزارء الذي يلزمها بالتأمين لدى المؤسسة العامة السورية للتأمين، آملا من شركات الحكومة الالتزام، وتضمين عقودها مع القطاع الخاص بنداً صريحاً وواضحاً يلزم المتعاقد التأمين لدى المؤسسة السورية للتأمين.

وكشف مشغل بأن المؤسسة السورية للتأمين على استعداد لإعادة دراسة خدماتها وبدلاتها بما يتناسب مع ظروف المنافسة في سوق التأمين اليوم.
وبينت المصادر ايضا أن مؤسسة الخزن والتسويق اتخذت إجراءات احترازية ولم تقم بصرف كامل المبلغ للجهة الموردة وتابعت الموضوع مع الشركة السورية للتأمين للتأكد من دقة التنفيذ.


وفي اتصال هاتفي مع مدير عام الخزن والتسويق رفض الخوض في تفاصيل العقد مؤكداً أن المؤسسة راسلت السورية للتأمين للتأكد من وضع الشركة الموردة لجهة تنفيذ بنود العقد الخاصة بالتأمين على البضاعة.


 ثغرات تأمينية
يستغرب خبير في الإشراف على التأمين من دخول شركة خاصة على الخط، والتعاقد معها بدلاً من الشركة السورية للتأمين.
 بيّن الخبير أنه حتى لو نص عقد التأمين صراحةً أو أشار إلى إمكانية إحالة عقد التأمين إلى شركة خاصة غير السورية، فهذا منوط بعدم توافر الخدمة أو الإمكانية لدى السورية للتأمين، مشيرا إلى القرار رقم 49 من عام 2009 الذي حصر تأمين ممتلكات الحكومة كافةً بالشركة السورية للتأمين.


وهنا يوضح بأن الثغرة التأمينية التي تهرب منها هكذا عقود إلى القطاع الخاص محفورة أساساً في طبيعة توصيف العقود التأمينية، فعبارة «ممتلكات الحكومة» لا تتضمن تفنيداً مباشراً لما يقصد بها. ولكن التفسير العلمي والعملي (وليس الحرفي) يقول: إن التعويض على البضاعة الموردة لمصلحة الحكومة هي ضمن ممتلكات الحكومة، فالتأمين يقسم إلى قسمين، إما تأمين ممتلكات، وإما تأمينات شخصية، والبضاعة بديهياً تندرج تحت تصنيف الممتلكات.


من هنا يشير الخبير التأميني إلى وجود خلل في تنفيذ بنود العقد والتعاقد مع شركة تأمين خاصة بدلاً من الشركة العامة السورية للتأمين، فالخدمة التي قدمتها الشركة الخاصة متوفرة في السورية للتأمين، ومن غير المسوّغ والمفهوم خروج العقد من السورية للتأمين.


وهنا نسأل بدورنا: لماذا وقع الاختيار على شركة الثقة من دون غيرها؟ وما الآلية التي تم اختيار شركة التأمين على أساسها، والمعايير التي فصلت في الموضوع وحرمت السورية للتأمين من إيرادات جراء التأمين على البضاعة الموردة؟
 من الجدير ذكره


نصت المادة الأولى من العقد أن «يقوم المتعهد بتوريد مادة السكر الأبيض الناعم الكمية 300000 طن متري ±25% بسعر 568 يورو للطن الواحد على أن يكون مطابقاً للمواصفات القياسية السورية للسكر الأبيض الناعم وما هو وراد في المادة الثانية من العقد».


وتنص المادة الثانية من العقد بأن «تعتبر الوثائق التالية جزءاً لا يتجزأ من هذا العقد: مقدمة العقد -هذا العقد- المواصفات القياسية السورية للسكر الأبيض الناعم- دفتر الشروط الفنية والمالية والحقوقية- العرض المقدم من الشركة وملحقاته».
وتنص المادة التاسعة على أن «يتم التأمين على المواد المشحونة لدى المؤسسة العامة السورية للتأمين أو بموافقتها وعلى نفقة الفريق الثاني».


وفي الختام، نضع الملف وما تضمن من تساؤلات أمام الحكومة السورية الحريصة على أموال الشعب، فتحقق أو تسوّغ وفقاً لما تملكه من معلومات ليست متاحة لنا.


 هامش:
سألنا مدير السورية للتأمين عن عدم إعفاء ونقل بعض مديريه تنفيذاً لتوصيات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في تحقيق لها نشرته «الوطن» في وقت سابق فأجاب الدكتور ياسر المشعل مبرراً بأن عمل المؤسسة حالياً يقوم على أولئك المديرين وخاصة في ظل ندرة الخبرات التأمينية بوجود قطاع خاص يستقطبهم برواتب مغرية جداً، لذلك تمت مخاطبة الهيئة، وردت بتأييد ترك أمر نقل العاملين خارج المؤسسة بتصرف المدير العام وعلى مسؤوليته.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات