يعاني السوق النقدي في سورية حالة تخبط وعشوائية وعدم الوضوح، مقتصراً على العلاقة بين البنك المركزي وبعض شركات ومكاتب الصرافة وفي إطار جغرافي ضيق، فالبنك المركزي يبدو أنه لا يتعامل أو لا يتدخل خارج مدينة دمشق باعتبار أنه يركز إدارة سياسته النقدية من خلال التدخل في سوق الصرف بيعاً للقطع الأجنبي وفي سوق دمشق تحديداً. لكن أن ينتقل بفكرة مفاجئة من التدخل في سوق دمشق إلى التدخل في سوق بيروت هذا ما أعطى للقائمين على إدارة السياسة النقدية المزيد من التخطيط والعشوائية.

هذا ما بيّنه رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور أكرم الحوراني في حديث لـ«الوطن»، مضيفاً إن السؤال الأكثر إحراجاً اليوم «من أين خرجت هذه الكتل النقدية الضخمة من الأموال؟ وكيف تواجدت في الأسواق خارج سورية؟».

ورأى الحوراني ضرورة لإعادة النظر في مختلف جوانب إدارة السياسة النقدية، وأن تعمل هذه الإدارة على استخدام أدوات أخرى غير التدخل بيعاً للقطع الأجنبي، لأن السؤال الذي يمكن طرحه هنا «من أين مصدر هذه الأموال التي يتدخل من خلالها المركزي في سوق القطع عن طريق بيعه القطع الأجنبي لشركات ومكاتب الصرافة ثم تقوم هذه المكاتب والشركات ببيع هذا القطع لأغراض غير تجارية وأحياناً تجارية للمواطنين؟» علماً بأن مكاتب وشركات الصرافة لا تبيع المواطن سوى 100 أو200 دولار وبعد معاناة، وبالتالي لا يلبي الطلب على القطع عن طريق هذه المكاتب والشركات وإنما يتجه من يريد أن يبدل الليرات السورية بالقطع الأجنبي إلى السوق غير النظامي وهناك سعر آخر هو السعر المتاح الذي يزداد كلما ضغطت الأزمة والحرب على سورية.

ويجزم الحوراني بأن تدخل المركزي السائد حالياً لم ولن يؤدي أغراضه كاملة لأن ذلك يتوقف على مصدر الأموال إذا كان من الاحتياطيات فالمشكلة كبيرة جداً لأننا نفرط باحتياطيات، وإن كان ذلك من الحوالات الخارجية كما يدعي القائمون على إدارة السياسة النقدية فإننا نعتقد أن الفرق بين سعر الحوالات والسعر في الأسواق الخارجية السعر المتاح في السوق غير النظامية يكون أعلى من سعر الحوالات بمعدل كبير وبالتالي يتراجع حجم الحوالات كلما زاد هذا الفرق، «وإن كان المركزي مصّراً على التدخل فهو بالتأكيد سيتدخل عبر تخفيض قسم من الاحتياطيات وهذا ما لا نأمل أن يكون».

هذا ورأى الحوراني أن هناك بعض قرارات الحكومة تؤثر بشكل سلبي في سعر الصرف مثل تخفيض رسم الإنفاق الاستهلاكي على السيارات والجوالات أو التلويح بإمكانية استيراد السيارات المستعملة، مبيناً أن هذا ما يؤدي إلى زيادة الطلب على القطع الأجنبي، ما يسهم في إضعاف الليرة.

وأوضح أن حالة الحرب العالمية على سورية من نتائجها تراجع في سعر صرف الليرة لكن هذا التراجع ينعكس مباشرة على مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود ومع سياسات تراجع تمويل المستوردات وقصرها على بعض المواد الأساسية مثل الطاقة والأدوية فإن الاتجاه العام في السوق يكون نحو مزيد من التوقع في تراجع سعر صرف الليرة بسبب استمرار الضعف على موارد سورية من القطع الأجنبي وبسبب استمرار الأزمة فترة طويلة.

ونصح الحوراني القائمين على إدارة السياسة النقدية بالبحث عن بدائل يمكن أن تعطي نتائج أكثر فعالية ومصداقية وتشكل خطاً للدفاع عن العملة الوطنية وألا يقتصر عملهم على التدخل بيعاً للقطع الأجنبي، متسائلاً عما يمنع التدخل في سوق القطع عبر المصارف العامة. علماً أنه تم في بداية الأزمة ذلك عن طريق المصرف التجاري بشكل واسع وعن طريق المصرف العقاري بشكل محدود لكن أوقفت هذه العملية وبدأ المركزي يتخذ أسلوب المزادات التي كان البادئ في رفع سعر القطع الأجنبي فيها وهو الذي دفع بالأسعار في الأسواق للأعلى ثم أصبح يلحق بهذه الأسعار هناك تخبط وعدم وضوح وضبابية.

..والقلاع يقترح توفير الدولار عبر المصارف

وصف رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع سعر الصرف بالمرآة لحالة الاقتصاد انتعاشاً أو تراجعاً، إلا أنه وفي الوقت نفسه تتداخل في سعر القطع الأجنبي عوامل مختلفة كالطلب نتيجة الشراء أو المضاربة أو الاكتناز أو لمتطلبات شخصية خارجية كالمرض والسفر وهي بمجملها -حسب القلاع- أمور طبيعية في أي اقتصاد ما دام هناك عرض مستمر ومتزايد من القطع الأجنبي نتيجة الصادرات والتحويلات من الخارج أو الاستثمارات الخارجية.

وعن طبيعة السياسة النقدية المطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها سورية والاقتصاد السوري بشكل خاص رأى القلاع بوجوب الاعتماد على عوامل التحكم بقوى العرض والطلب على القطع الأجنبي، فمن ناحية الطلب يجب العمل على ترشيد الطلب على الدولار من خلال وضع أولويات للسلع المطلوب تمويلها حسب أهميتها للمواطن والحد من عمليات المضاربة الضارة والتلاعب بالأسعار.

ومن ناحية العرض أكد القلاع ضرورة تعزيز قدرات الاقتصاد الإنتاجية من خلال توفير دعائم إعادة إقلاع المشاريع الإنتاجية والمساعدة في تصدير منتجاتها وتشجيع تحويلات السوريين في الخارج، مبيناً أن تدهور قيمة العملة المحلية أمر سيئ لجميع الأفراد والقطاعات وخاصة أن صناعتنا المحلية تتشكل في قسمها الأعظم من المكون المستورد الذي أدى بنا إلى أزمة ارتفاع أسعار القطع ما يحرم الاقتصاد من وفورات ومزايا انخفاض قيمة العملة المحلية على صعيد التصدير.

ويقترح القلاع إعادة النظر بموضوع التدخل للبنك المركزي باتجاه توفير القطع الأجنبي لمن يحتاج إليه بعيداً عن السوق السوداء عبر المصارف الرسمية المأذونة سواء كانت قطاعاً خاصاً أم عاماً ما يعطي شعوراً بالوفرة وعدم الحاجة للمضاربة واللجوء للسوق السوداء.

سيرياديلي نيوز


التعليقات