سيريا ديلي نيوز- نمير سعد
تابعت كما معظمكم على مدار ساعات طويلة أصداء الواقعة الإجرامية الأخيرة لتنظيم داعش الإرهابي بعد إقدامه على إحراق الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة .
كان من اللافت حقيقةً، أن التنظيم الشيطاني قد نال جل مراده فيما خص الناحية الإعلامية والنفسية وحصل على ما كان يبتغيه و يتمناه، ضجة إعلامية سياسية بوسع الكون، استنفرت لعزف هديرها مئات الفضائيات والصحف الورقية والإلكترونية، وموجة من الغضب العارم و الفوضى عمت شوارع عديدة في مدينة الكرك الأردنية بشكل خاص ، كما غيرها من المدن ..
وحالة من الإرتباك والضياع بدت واضحةً على محيا العاهل الأردني وهو يدلي بدلوه في قراءة مفردات الجريمة، ووعيده المثير للتساؤل، والقلق فيما يخص مرحلة ما بعد الجريمة. إشارات إستفهامٍ تترادف مع عشرات من مثيلاتها ، بعضها عن المستوى الهوليودي المميز و المحترف للشريط الإجرامي ، تصويراً ومونتاجاً وإخراجاً ، ما يفرض علينا تساؤلاً مشروعاً عن هوية أفراد الفريق الإعلامي الداعشي أو عمن يقف خلفه تدريباً على أقل تقدير ".
وبعضها عن نجاح الفريق الإرهابي ومن يقف خلفه في هز وجدان وذاكرة المواطن السوري فيما يخص إحساس المرارة والقهر حال إقتحام من لم و لن ينل منهم عالم النسيان، ساحات الذاكرة الجمعية للشعب السوري، على مبدأ أن الشيء بالشيء يذكر ..
آلافٌ من شهداء الوطن عسكريين ومدنيين ،، جنوداً وضباطاً وشيوخاً ونساءً وأطفال .. آلافٌ تحول بعضهم إلى أشلاء بعد تفجيرٍ إرهابي هنا أو هناك ، فيما إرتقى آخرون رمياً بالرصاص أو ذبحاً أو صلباً أو سحلاً أو ركلاً أو رجماً أو .. حرقاً !! .
على مرأى وسمع العالم بأسره، شعوباً وحكومات ومنظمات وهيئات سياسية دولية ومجالس أممية وأمنية، دون أدنى إهتمامٍ أو إكتراث لإنسانية وأرواح الضحايا ؟؟!!، فيما تقوم قائمة الكون للجريمة الأخيرة؟!، الجريمة التي نافس صداها بقوة واقعة "شارلي إيبدو".
فإنهالت التنديدات وانهمرت الإدانات وهطلت توصيفات "زعماء وقادة العالم" للجريمة المذكورة ..
فهذا يعتبرها عمل يثبت همجية داعش !!! و ذاك يجاهر أنها فعلٌ منافٍ للأخلاق !! وآخر يصرخ أنها لا تمت للإنسانية بأية صلة !!! ..
وشيخ أزهر يدينها ويدعو "لقتل و صلب وتقطيع أيدي وأرجل الكائنات الداعشية"!! ، وآل سعودي يهمهم بأن الجريمة تتنافى مع مبادئ الإسلام والإنسانية !!! فيما يعلن آخرون أن ما من شك بعد هذه الجريمة النكراء أن تنظيم داعش .. إرهابيٌ إرهابيٌ إرهابي !! ...
يرد المواطن السوري بشكل خاص قائلاً باللهجة الشامية : "عن جد .. معؤول" ؟؟!!.
لكن الأهم في الواقعة حسب قراءة أولية ستضيء عليها تطورات قادمات الأيام ، هو التداعيات المحتملة لما بعد جريمة إحراق الطيار معاذ الكساسبة .. فالملك الأردني هدد بأنه "سيضرب داعش في عقر داره" ، كيف ؟ يتساءل السوريون ..و بالتنسيق مع من ؟
وهل يستطيع الملك أن يمارس دوراً أردنياً سيادياً دون أخذ الإذن من إدارة "أوباما"؟..
إن حصل فعلاً وتورط الأردن أكثر في مستنقع الإرهاب الذي يضرب سورية بالمضي قدماً في المشاركة في أية عملية برية إنطلاقاً من أراضيه على قاعدة "أن السيل قد بلغ الزبا" ، وأن ما من مناص أو مهربٍ من "الإنتقام والثأر لدم الشهيد الكساسبة !!"
عندها، حينها، وقتها، سوف نكون جميعاً ، بل سوف يكون العالم بأسره قبالة لوحةٍ جديدة عنوانها إشارات إستفهامٍ وتعجب، كتب قبلها، من أحرق الطيار معاذ الكساسبة ..
وكانت يده داعش .؟؟!! أمام الملك الأردني دربان لا ثالث لهما ، فإما يعود إليه بعض ما تاه من رشده، فيقرر التنسيق مع القيادة السورية وتلقف عرضها في توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب التكفيري، داعشيٌ كان أم جبهة نصرة أم جيش إسلام . أو أنه سيوغل أكثر في تورطه و إستزلامه للحلف الصهيو-أعرابي من خلال المضي في دعمه للإرهاب الذي يضرب سورية سيما على إمتداد أضلاع المثلث الأخطر والأقرب إلى العاصمة دمشق، مثلث حدود الأردن مع سورية وحدود سورية مع الكيان الإسرائيلي تدريباً و تسليحاً و تسريباً و تهريباً .. فيما يكتفي بأن يرعد ويزبد ويتوعد بتلقين الإرهاب الداعشي درساً قاسياً في عقر داره!، وهو إذاك يغامر بعرشه ومستقبله السياسي كما بمستقبل أمن وأمان الأراضي الأردنية والمواطن الأردني، وهو الذي يدرك أكثر من غيره أن حالة من الإنقسام العامودي الحاد تسود المجتمع الأردني بين من يدعم الجيش و يطالب بمجابهة الإرهاب والتصدي لآثاره المرحلية والمستقبلية المحتملة على أراضي المملكة، وبين ما بات يعرف بالحاضنة السلفية الإخوانية لتنظيم داعش الإرهابي، الحاضنة التي صدرت "بتشديد وفتح الدال" بعلم السلطات الأردنية "وربما بمباركتها" ما يزيد عن ألفٍ وخمسمائة إرهابي إلى سورية ، الحاضنة التي يؤمن أفرادها بأن الولايات المتحدة تقصدت توريط مليكهم وحكومتهم وجيشهم من خلال مشاركة الأردن في التحالف في حربٍ دموية نازفة غير واضحة المعالم والآجال ضد "داعش"، الحاضنة التي كانت حتى لحظة ما قبل الإعلان عن الجريمة تؤيد بالإجماع قلباً وقالباً وفكراً ومعتقداً وروحاً، فكر "داعش" وأهدافه وعقيدته الإجرامية، الحاضنة التكفيرية التي لن يكون من السهل على معظم أفرادها الخروج من مستنقع فكرالإرهاب والقتل والإجرام لمجرد إحراق التنظيم الإرهابي .. لمواطن أردني، هو في نظرهم ربما "عميل أو عوايني أو خائن أو مرتد أو كافر .. أو جميع ماذكرت. ولربما كان تبريرهم للجرم الوحشي بأنه كان كرد فعل على مشاركة الأردن للتحالف في محاربة "داعش".
رغم أن المنطق والعقل وحس الإنتماء الحق تفرض جميعها أرجحية تغيير الملك الأردني لخطه ونهجه ومساره ودربه ساعة يتجاوب مع الطرح السوري بخصوص توحيد الجهود و التعاون في مكافحة الإرهاب التكفيري، إلا أننا، ولأن ماضي الملك لا يجرؤ على الحضور إلى قاعات محاكم المنطق والعقل، وهو الذي لم يعرف يوماً من خصال الرجولة .. أيها ، ولأن دمه الأزرق "النبيل" ينبئنا بما قد يكون منه أو من أسياده من خلاله .مراعاةً لهذا وذاك، فإننا لن نرتحل في تفاؤلنا بعيداً ، ولن نبحر في محيطات حسن النوايا ، ولن نراهن أو نقامر على الحس الإنساني والوطني والقومي "لجلالته"، ولن نرسم الآمال العريضة على صحوة وجدان وضمير "جلالته"، ولن نبني التوقعات على استنهاض رفات فحولة ورجولة "جلالته "، فتلك جميعها مراهناتٌ وارتحالاتٌ وإبحارٌ ورسمٌ وبناءٌ لا طائل منها جميعها سوى الخيبة ، والمزيد من الخيبة ، فأرشيف الديوان الملكي يزخر بما يندى له الجبين من أدلة الخيانة والعمالة والخنوع والإنبطاح للسيد الأمريكي بشكلٍ خاص والصهيوني بشكلٍ عام. لكن لا بأس إن قبلنا مجاراة البعض في إصرارهم على إنتظار معجزة يقظة ما قبل العته المطلق والمطبق الذي يكاد يلتهم كما ماضي وحاضر .. كذا مستقبل "جلالته". لم يك في الأمر إعجازاً، ولا هو كان تنجيماً ، ولا قراءةً في فنجان واقع وحاضر المنطقة ، بل كانت الصورة واضحةً تماماً لي ، كما لكل ذي بصرٍ وبصيرة وإدراك ، ولكل قادرٍ على قراءة ما بين السطور وكشف ما يتلطى في جنبات المفردات وفي زوايا المشهد . كان ذلك منذ أعوامٍ ثلاث، يوم اخترت لإحدى مقالاتي عنواناً يقول "الحرب على سوريا بركانٌ ستطال حممه الجميع"، توالت الأيام والأشهر وتعاقبت السنين وحملت معها على مدارها حمم لابة البركان السوري وأمطرت بها دول الجوار جميعها ،، لتسافر غير حممٍ إلى دول ما بعد الجوار، حتى أتى اليوم الذي بات فيه الغضب البركاني هائلاً للدرجة التي هاجرت معها إلى غير رجعة، بعض حممه ونيرانه ، هجرةٌ حملتها آلافاً من الكيلومترات لتهوي في غير قارة وغير أصقاع وتوزع على من أشعلوه حصصهم ونصيبهم. والقادم لمن لا يعلم ، أو لا يريد أن يعلم ، أو لا يريد له الآخرون أن يعلم .. هو لا شك أعظم .
المجد لسورية أرضاً وشعباً وجيشاً وقيادة .. وما المجد سواها سورية
سيريا ديلي نيوز
2015-02-06 11:29:16