رأى عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة الشام الخاصة الدكتور عابد فضلية أن من أهم أسباب ارتفاع سعر صرف القطع الأجنبي هو انحسار أو قلة العرض من القطع الأجنبي بسبب تراجع حصيلة التصدير من القطع الأجنبي، نتيجة تدهور إنتاج النفط، وتراجع إنتاج وتصدير القطن والقمح والعديد من المحاصيل الإستراتيجية الأخرى، وتقلص وانكماش جميع أنواع الأنشطة الإنتاجية بشكل عام، موضحاً خلال الندوة الحوارية التي عقدت في مقر جمعية العلوم الاقتصادية يوم أمس تحت عنوان «التغير في أسعار الصرف وأثره في التضخم ومستوى المعيشة»..

 

 أن أسباب أخرى لارتفاع القطع منها تراجع التحويلات الخارجية للسوريين في الخارج، وخاصة عبر الأقنية الرسمية، وعلى الأخص بسبب قرارات المصرف المركزي بتسليم الحوالات الصغيرة بالليرة السورية، وبالسعر الرسمي، وانعدام إيرادات القطع الأجنبي من قطاع السياحة، والتقتير المقصود في عرض القطع الأجنبي لغايات التحوط والاحتكار والمضاربة في السوق السوداء، والتوقف شبه التام للاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وجمود الأنشطة الاستثمارية، إضافة إلى تأثير العقوبات والحصار الاقتصادي، بما في ذلك تجميد أرصدة حكومية وغير حكومية في المصارف الخارجية، وصعوبات تحويل الأموال أو التخوف من ذلك.

 

واعتبر فضلية أن التبذير الذي قام به المصرف المركزي في المراحل الأولى للأزمة عندما قام ببيع القطع لأي مواطن، قد ساهم في وصوله إلى أيدي تجار العملة، ولذلك اتجه إلى الترشيد في استخدام القطع الأجنبي، من خلال التقليص في تغطية احتياجات السوق، حتى الضرورية، وخاصةً احتياجات مستوردي المواد الأولية والوسيطة والسلع النهائية غير الضرورية جداً، وهذا يعني اضطرار المستوردين البحث عن القطع في السوق السوداء، أي زيادة في الطلب على القطع في هذه السوق، إضافة إلى المحدودية أو الضعف في قدرة المصرف المركزي على التدخل لخلق التوازن في سوق القطع، من خلال ضخ أو بيع القطع الأجنبي للسوق، وهذا ما يستغله المضاربون وتجار العملة من خلال التأجيج غير المسوغ لسعر القطع والتلاعب به لتحقيق أرباح استثنائية كبيرة، لعلمهم بمحدودية قدرة المركزي على التدخل، وكانت المحصلة لما جرى هي انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار إلى الربع، عندما ارتفع سعر الدولار بمعدل 4 أضعاف، من نحو 50 ل.س قبيل الأزمة إلى 200 ل.س حالياً.

 

ورأى فضلية أن إجراءات المصرف المركزي لدعم الليرة السورية كانت خجولة ومترددة، وضرب مثالاً في الإجراء المتعلق بتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي من 10% إلى 5%، خلال شهر أيار من العام 2011، وقرار رفع أسعار الفائدة الدائنة التي تدفعها المصارف على الودائع لأجل بمقدار نقطتين مئويتين، والسماح للمصارف بيع الأشخاص الطبيعيين السوريين ولمرة واحدة فقط (دولار أميركي أو يورو)، مبالغ مختلفة مقابل إيداع قيمتها لدى المصرف لأجل، إضافة إلى البيع المشروط للمواطنين، لافتاً إلى أن التردد في قرارات المركزي كان واضحاً من خلال التعديل والتغيير والتراجع في إجراءاته المتواضعة أصلاً، والذي يوحي (ولو خطأً) للمواطن أو المراقب أو لقطاع الأعمال بالشك وعدم الثقة، ويؤثر سلباً في مصداقية المصرف المركزي، ويضر بالعملة الوطنية، وهو ما يشير والكلام لفضلية- إلى أن مصرف سورية المركزي لم يكن يتبع سياسة نقدية كلية شاملة متكاملة منسجمة متماسكة، بل الأصح أنه يختزل هذه السياسة بإجراءات وقرارات وتعاميم متفرقة، يتخذها ببطء وتردد تجاه هذه أو تلك من المتغيرات، وهذا ما ينطبق تماماً على قراراته بخصوص التدخل في سوق القطع الأجنبي، التي تتصف بالغموض وعدم الاستقرار، بضعف الفعالية، وحتى عندما يتخذ المركزي أحد القرارات السليمة في هذا الإطار، سرعان ما يتبين إما عدم وجود آلية لتنفيذ مضمونها وإما عدم فعالية هذه الآلية بالمستوى اللازم.

 

ورأى فضلية أن المركزي يعتمد منذ بدايات الأزمة وحتى اليوم، سياسة تعويم غير معلنة لسعر القطع، حيث بدأ منذ الأشهر الأولى للأزمة يرفع السعر الرسمي، بشكل متواتر ومستمر، ثم بدأ منذ نحو بضعة أشهر بالرفع بقفزات متتالية إلى أن تخطى السعر الرسمي للدولار اليوم 170 ل.س، وهذا الرفع حتى لو كان مسوغاً من وجهة نظر المصرف المركزي، إلا أنه ليس كذلك لمعظم المواطنين السوريين.

 

واستنتج فضلية في محاضرته أن المركزي ينظر إلى العوامل التي تسهم في تحديد قيمة وقوة العملة الوطنية بأنها مجرد عوامل نقدية، ولا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي، لذلك تغيب عن سياساته وإجراءاته الرؤى والعوامل والمؤشرات الأخرى التي تلعب الدور الرئيسي في تحديد قيمة وقوة الليرة السورية، إلا وهي العوامل المالية والطاقات الإنتاجية وحجم التبادلات السلعية والخدمية، ومن ثم تغيب عن إجراءاته ومعالجاته أي رؤى اقتصادية لها صلة بمسألة دعم الأنشطة الإنتاجية السلعية، أي يغيب عن المصرف المركزي ما ورد في قانون النقد الأساسي الصادر بالمرسوم 21 لعام 2011، الذي يُعد دستور عمله، والذي ينص بأن من أهم واجباته الحفاظ على استقرار قيمة الليرة السورية مقابل العملات الرئيسية، والحفاظ على استقرار أسعار السلع والخدمات كهدف نهائي، ودعم السياسات الاقتصادية على المستوى الكلي بتعزيز النمو الاقتصادي والتشغيل.

 

بدوره قال نائب حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور حازم قرفول: إنه في بداية الأزمة لم يكن أحد مطلعاً على ما يحاك ويخطط ولكن كان هناك اطلاع على إمكانيات الاقتصاد السوري، وقد تم اتخاذ عدة إجراءات كانت سليمة في حينها ولكن ما لبث أن تم العدول والانحراف عنها، وقد كلف المصرف المركزي في بعض المراحل مهام أكبر من إمكاناته، مشيراً إلى وجود مشكلة كانت تتمثل بأن كل جهة حكومية كانت تتخذ إجراء مؤقت للمساعدة على ضمان استمرارية العمل اليومي وهي إجراءات قصيرة المدى غير منسقة ساهمت في تثاقل العمل الحكومي وأوصلتنا إلى الأزمة المعقدة، مضيفاً: إن مصرف سورية المركزي بحكم القانون يعتبر مستشاراً مالياً للحكومة وقد تعامل في مراحل معينة بمبدأ ردّ الفعل مع سعر صرف القطع الأجنبي.

 

من جهته أوضح نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العلوم الاقتصادية غسان القلاع أن الكتلة النقدية في مصرف سورية المركزي قد تبدلت عدة مرات منذ حكومة الدكتور عادل سفر، لافتاً إلى أن نسبة 96% من المواطنين قد انخفضت قدراتهم الشرائية إلى الحضيض.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات