خاص سيريا ديلي نيوز-مجد عبيسي

كنت كأي مواطن عربي جميل معتاد "الجمود العقلي"، ولكن قبل شهر مضى شيء ما لسعني في مخيخي وأيقظني من سباتي –على غير العادة- وكأنه المس!!. أسرى في عاقلتي حاجة غريبة إلى "التفكير".

نعم يا سادة، قوة غريبة تمردت فجأة على الجمود العقلي المتأصل في ترهات الروتين التي توقظني صباحاً وتطبع واجبي كختم خشبي وتجهز وسادتي قبل النوم.. تمردت على جمودي الدافئ الأصيل الذي اعتدته لأجيال وأجيال. ولكن المس المأفون ذاك جمّل "التفكير" لبنات أفكاري (من باب كسر الروتين) فبدأت بنكز خلايا دماغي الصدئة وعصبوناته الضامرة علها تهز أكتافها وتفكر بشيء كاف لإذهالي، وإذ بسحب من الغبار العرمرم تعج بين صدغيّ وتملأ رأسي وتخرج من أذني لتعود وتدخل من خشمي!!

سعلت وعطست وتنشقت دموعي.. ثم عطست.. ثم عطست مجدداً.. ثم شككت أن غبار تشغيل الدماغ هذا أصابني بحساسية من نوع ما ولكنها مقيتة إذ استعصمت في أنفي وتمسكت قصباتي وحرّضت الدمع ليحجب بصري عن رؤية المجتمع بوضوح، فقصدت الصيدلاني..

بعد المعاينة والتشخيص قال إنها تدعى بـ "حساسية التفكير"، وهي شائعة في مجتمعنا الشرقي ولكن ليس لها ترياق عندنا.. وأخبرني أن من يصاب بها يبتلي نفسه برؤية المجتمع -لأيامه الباقية- بغشاوة تحكم عليه بالغرابة والغربة..

لم أقتنع بهذا التشخيص فذهبت إلى طبيب مشهود له، فأكد لي هذا الحذق ما قاله الأول، وأنه ما من علاج لهذا المرض المزمن إلا في دول الخارج!

فعقدت العزم عندها وسافرت إلى الخارج. بعد إجراء الفحوصات والتحليلات وتشليحي كل فلس ودرهم ودينار وريال كان في جيوبي وجيوب معارفي، دخل الطبيب مبتسماً واضعاً في كفـّي ورقة صغيرةً وعلبة هامساً في أذني: أنتم العرب دائماً ما تخوضون تجاربكم في حاضنة خاطئة وفصول غير مواتية، ونحن –عن طيب خاطر- علينا أن نركض لكم بالحل..

أخذت وصفة تناول الدواء فقرأت: حبة كل يوم ولمدى الحياة.. وستعافى لتندمج بمجتمعك مجدداً.

وعندما نظرت إلى اسم الدواء قرأت: (حبوب للجمود العقلي) خاصة بالتصدير إلى الدول العربية!!

سيريا ديلي نيوز


التعليقات