سيريا ديلي نيوز- يزيد جرجوس

إن من يتمعن في المشهد السياسي اللبناني، ويدقق في سلوك وخطاب قوى ما سمي "14آذار" لا يمكنه أن يغفل هذا الميل الواضح للترويج وللدفاع عن التطرف الإسلامي والمنظمات المنبثقة عنه ولصالحه، بإمكانك وبوضوح أن تلمس ذلك حتى عند أحزاب اليمين المسيحي. يبدأ هذا الميل بالحديث المغرض عن الدفاع عن مناطق لبنانية بعينها ذات طابع طائفي ما، وكأن "الدولة والجيش قادمة لقتل هؤلاء" ومن دون أي سبب، وفي ظل عدم المبادرة من قبل الدولة لأي تصرف تجاه التراكم المستمر في تجميع الأسلحة والمسلحين، والتعبير عن ذلك وبصورة تلقائية من خلال ازدياد المظاهر المسلحة والتصرفات الخارجة عن القانون، والتي تبقى دائما بمنأى عن المحاسبة أو حتى المتابعة. لا يسعنا هنا إلا أن نتذكر مقتل شاب سوري تنكيلا وتمثيلا به وفي وسط مدينة طرابلس، وعلى مرأى العالم والأجهزة الأمنية، في  حادثة ذهبت أدراج النسيان، ومرت مرور الكرام في بلد يفترض أنه دولة وفيها قانون وهي تعيش حالة سلم.

هذا الميل لدى قوى 14 آذار لتبني الإرهاب وسيلة للضغط على القوى الوطنية، أو لابتزازها، يتجلى أحيانا بتصريحات علنية كما نرى عند "نائب" يدعى خالد الضاهر. والذي يأتي سلوك الطبقة السياسية المهادن والمراوغ في التعاطي مع حالته، كدليل أضافي على ما ندعيه من ميل لتمرير التطرف وليس لتبريره فقط.

  حتى لا نبقى في الحديث النظري، وحتى لا نستخدم الكثير من الأحداث والبؤر المسلحة التي تحتضنها مناطق نفوذ هذه القوى، والإشكالات الكبيرة التي قاموا بها والتي وصلت حد التمرد ومحاربة الجيش اللبناني، ولأنهم اعتادوا هم وجمهورهم على التنصل من هذه الأحداث ورميها

 

على "جهات أخرى" أو تحميلها لسلوك حزب الله وحلفاء سوريا، على مبدأ "رد الفعل المستحق". حتى لا نغرق في ذلك، سنلجأ لقراءة في أفكار قوى 14 آذار وتصريحاتهم الرسمية العلنية، وليس الشخصية المغلقة والتي قد تحمل أضعاف أضعاف ما نصبوا لإثباته.

في البيان الرسمي لاجتماع عدد من قادة ونواب المستقبل وحلفاءهم يوم 26/10/2014 أثناء اندلاع أحداث طرابلس الأخيرة، وردت الأفكار التالية وفي مقدمة النقاط "التحذير من الاستخدام المفرط للعنف"

"تنفيذ الخطة الأمنية بطريقة سلمية كما كانت في السابق" و "رفع الظلم عن طرابلس"

إن من يقرأ هذه النقاط يخال أن الحديث هو عن جيش ودولة اعتديا على مدينة وليس العكس. علما بأن العالم بأسره يعلم بأن ما يحدث هو اعتداء متكرر على الجيش اللبناني، واغتيال لعناصره وضباطه. واجتماع هؤلاء كان تعقيبا على هكذا أحداث، وكان يفترض به أن يخرج برسالة تأييد للدولة والجيش، لا أن يحرض الشارع ويعطي المبررات للمتمردين، ومن ثم يمر و أخيرا مرور الكرام ليس على تأييد الجيش ودعمه، ولكن فقط على "إدانة الاعتداء على الجيش".

فإذا كان البيان يؤكد ببنده الأخير أن اعتداء ما قد حدث على الجيش، فكيف له وهو صادر من قادة ومسؤولين ونواب، أن لا يبدأ بالإدانة وبالتبني والدعم للجيش؟!! بل يذهب لتحذير هذا الجيش المعتدى عليه من الرد. ثم إن المطالبة بتنفيذ الخطة الأمنية "السلمية" ماذا تعني غير إفساح المجال للمزيد من التحشيد والتحضر لدى المسلحين، فإذا كانت خطتكم قد أوصلتكم إلى واقع تجمع فيه المسلحون في مناطق بعينها وباتوا قادرين على مهاجمة الجيش، فما معنى المطالبة باستمرار هذه الخطة، والتحذير من استبدالها بأخرى أكثر حزما؟!!

 

  في لبنان أحيانا لا يمكنك الفصل بين النكاية الشخصية أو المذهبية والطائفية، وبين التبعية السياسية الواضحة أو المستترة للمشروع الصهيوني العالمي. ولكن الواضح والبين أن المسرح السياسي والشعبي في لبنان يتم إعداده لإفراز "انشقاق" ما عن الدولة والجيش اللبنانيين، والذهاب إلى حالة تمرد جديد، لا نستطيع أن نرى لها أفقا في السياسة، ولا هدفا تستطيع أن تحققه، فبصراحة يبدو كل ذلك كالمغامرة التاريخية التي يصر البعض على الذهاب فيها، بأدوات لا تصرف في السياسة، فقط لمحاولة ابتزاز الشريك في الوطن ربما، أو لتنفيذ مطالب مشروع "الفوضى البناءة" ولكن وفي كلا الحالتين لا يبدو أن ذلك سينجح في تحقيق شيء للطرف السياسي اللبناني الذي يسعى باتجاه الهاوية مغلقا عينيه، ولا في تحقيق خرق ما يحرج المحور السوري ويضعف موقفه، فما نراه هو مقدمة لتقسيم لبنان ودخوله في احتراب أهلي جديد ربما ينتهي بدخول سوري إلى لبنان.

 

يزيد جرجوس

30/11/2014

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات