يواجه مئات الملايين من الشباب حول العالم تحديات اجتماعية واقتصادية كثيرة تعترض طريقهم نحو تحقيق أهدافهم وطموحاتهم ومستقبلهم في وقت يؤكد فيه تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن الاستثمار الأمثل لقوة الشباب يمكن الدول من جني عائد ديمغرافي ينتشل ملايين الناس من هوة الفقر ويرفع مستويات معيشتهم ويدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام.

ووفقاً لتقرير حالة سكان العالم 2014 الذي أصدره صندوق الأمم المتحدة للسكان مؤخرا فإنه بمقدور البلدان النامية التي يمثل الشباب نسبة عالية بين سكانها أن يشكل أحد العوامل القوية لتحقيق النمو الاقتصادي شريطة أن تستثمر بقوة في تعليم شبابها وصحتهم وحماية حقوقهم.

ويظهر التقرير أنه بوسع الشباب المتعلمين والأصحاء والمتمتعين بحقوقهم أن يضاعفوا من تحقيق المكاسب الاقتصادية من خلال الاستثمارات التي تمنحهم فرص الخيار في كل جوانب حياتهم والتي تهيئ لهم الظروف للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على مستقبلهم والتي تحطم العوائق التي تعترض سبيل رفاههم.

ويربط التقرير الذي يعتمد على إحصائيات وحقائق حول قدرة الشباب على إجراء التغيير وعدد من التجارب الناجحة في العالم في هذا المضمار تحقيق العائد من الاستثمار في الشباب بالحرص على أن تكون المكاسب شاملة وتحقيق النمو المنصف وتسخير هذا العائد في توفير الفرص وأسباب الرفاه لجميع الناس ويرى أن الشابات والفتيات لم يتمكن من المشاركة في التنمية أو الاستفادة منها بنفس القدر كالرجال والفتيان رغم دورهن المحوري في تحقيق صحة وثروة المجتمع، وفي النهوض بالتنمية البشرية والنمو الاقتصادي موضحا أن من شأن تعزيز تكافؤ الفرص للجميع أن يحقق أثراً إيجابياً قوياً على الاقتصادات والمجتمعات المحلية والأمم.

وتتلقى سورية التقرير وشبابها الذين يشكلون فيها نسبة تتجاوز 21 بالمئة يواجهون أزمة أثرت سلبا على قدراتهم وطموحاتهم وأحلامهم وفرصهم.

وتضيق الأزمة في سورية خيارات شبابها ودورهم الذي أشار إليه التقرير في بناء بلدهم ودفع عجلة الاقتصاد فيه بعد أن وضعتهم على مدى السنوات الأربع الماضية في مواجهة مع خسارات كبيرة بالأرواح والممتلكات والماديات.

وفي ظل الواقع الصعب الذي فرضته الأزمة على سورية تتضاعف محاولات البعض إفراغها من شبابها سواء عبر الإشاعات والأخبار الكاذبة أو العروض المغرية التي تستقطب المبدعين والمتميزين منهم.

ويذكر عميد المعهد العالي للدراسات السكانية الدكتور أكرم القش أن نحو 21 بالمئة من عدد سكان سورية أي نحو الخمس تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة و31 بالمئة ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و 14 سنة مشيرا إلى أن الأزمة أدت لارتفاع نسبة الشباب العاطلين وتضاعف الهجرة الاعتيادية إضافة لغير الاعتيادية النزوح واللجوء.

وأضاف الدكتور القش أن سورية وقبل الأزمة كانت بصدد وضع استراتيجية وطنية للشباب تتناول محاور التعليم والتدريب والتأهيل والصحة والعمل والمشاركة المجتمعية وخطط وإجراءات لرفع سوية الخدمات المقدمة الى شريحة الشباب في جميع هذه المحاور لكن الظروف الحالية ادت لتوقف العمل على هذه الاستراتيجية.

وتحاول الجهات الحكومية والأهلية رغم الأزمة تسهيل التحاق الشباب بالمؤسسات التعليمية وتأهيلهم وتطوير مهاراتهم لتناسب متطلبات سوق العمل ومنها الأمانة السورية للتنمية التي تعمل وفق مديرة عيادات العمل فيها هنادي جاويش بالشراكة مع جامعة دمشق لتدريب الشباب ولاسيما طلاب الجامعات والمعاهد وحديثي التخرج على مهارات الدخول إلى سوق العمل والريادة في المشاريع وتحفيزهم على تأسيس مشروعات صغيرة خاصة بهم وآلية تنفيذها.

كما يسعى مركز الأعمال والمؤسسات السوري إلى تدريب وتأهيل مليون شاب سوري ووصل حسب مستشار تطوير الأعمال فيه الدكتور هشام خياط إلى نحو 35 ألف شاب خلال السنتين الماضيتين ويتم استهدافهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال برامج تدريبية شهرية يعلن عنها المركز بشكل دوري.

ويبين الدكتور خياط أن الهدف من الدورات التدريبية تعزيز قدرات قطاع الأعمال وتشجيع التطور الإيجابي لإطار العمل التنظيمي والمالي لدعم تنمية الشركات والمؤسسات الخاصة حيث تركزالدورات على المهارات الشخصية والريادة والبدء بمشروعات ذاتية وكيفية إدارتها من جميع النواحي.

وبعيدا عن التحديات والمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية يقع على عاتق الشباب السوري بشكل خاص مهمة إضافية برزت خلال الأزمة وتتمثل بالحفاظ على الوجه الحضاري والثقافي لوطنهم وحمايته في ظل الاستهداف الممنهج له عبر سنوات الأزمة.

ويرى المدرس في قسم علم الاجتماع بكلية التربية في جامعة دمشق الدكتور طلال مصطفى ضرورة تطوير الخطاب الثقافي بحيث يكون نقديا ومتنوعا وإبداعيا يحصن جيل الشباب من الافكار الدخيلة على المجتمع السوري التي تبثها وتروجها وسائل الإعلام المختلفة على مدار الساعة عن المجتمع السوري بهدف إحداث تشوه ثقافي وقيمي بين شرائحه.

ويدعو الدكتور مصطفى إلى تدريب الشباب وبشكل مبكر على الفكر النقدي ومهاراته وذلك ضمن المناهج الدراسية ليكونوا جاهزين ومستعدين لاستقبال الافكار الجديدة والتعامل معها بشكل نقدي وفق رؤية ترتكز على مصالح المجتمع السوري وقيمه وإرثه الحضاري وثقافته وخصوصيته.

وتقول ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في سورية بالإنابة باربرا بيادزا جورجي إن الشباب ليسوا المشكلة أو القضية بل المورد الذي سيسهم في إعادة بناء سورية بعد انتهاء أزمتها الحالية لكنهم يحتاجون من أجل ذلك وككل الموارد إلى الاستثمار لإطلاق طاقاتهم وإمكاناتهم وقدراتهم البناءة وضمان مشاركتهم الكاملة في المجال الاجتماعي والاستثمار أيضا في نموهم الصحي من النواحي العقلية والسيكولوجية والبدنية.

وترى جورجي أنه “وفي خضم التحديات الاجتماعية والاقتصادية الضخمة فإن الاستثمار في جيل الشباب خلال فترات الحرب يشكل تحديا كبيرا لتلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم وتمكينهم من التمتع بحقوقهم”.

وتشير المسؤولة الأممية إلى أنه وفي إطار الاستجابة الإنسانية للأزمة في سورية “واصل صندوق السكان منذ آذار عام 2011 تقديم المساعدة إلى ما يقدر بنحو 3 ملايين من النساء المتضررات من الأزمة في سورية مع الحرص على نيلهم خدمات الصحة الإنجابية والدعم النفسي والاجتماعي ومقاومة العنف المرتكز على النوع الاجتماعي  بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين”.

وتضيف جورجي أنه يتم تنفيذ ورشات عمل خاصة وبرامج تدريب وبناء القدرات للشباب بشكل متواصل لتنمية قدرتهم على مواجهة التحديات في عملهم وحياتهم خلال الأزمة معتبرة أنه بالاستثمار الصحيح حتى في هذه الأوقات الصعبة يمكن للشباب إطلاق طاقاتهم وبناء مستقبل أفضل.

وبالعودة إلى التقرير يقول المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان الدكتور باباتوندي أوشيتيمن أن الرقم القياسي لعدد سكان العالم من الشباب البالغ 8ر1 مليار  يتيح فرصة هائلة لتغيير المستقبل وأن الشباب هم المبتكرون والمبدعون وهم بناة المستقبل وقادته لكنهم لن يتمكنوا من تغيير المستقبل إلا إذا حصلوا على المهارات اللازمة وتمتعوا بالصحة والقدرة على اتخاذ القرارات والخيارات السليمة في حياتهم.

ويبين تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان أن التحولات الديمغرافية التي تحدث الآن في “نحو 60 بلداً من بلدان العالم تفسح المجال أمام تحقيق عائد ديمغرافي ويتوقف حجم هذا العائد إلى حد كبير على الكيفية التي تستثمر بها هذه البلدان في شبابها لتحقيق ما لديهم من إمكانيات”.

وبحسب احصائيات أوردها التقرير فإن 9 من أصل 10 شبان من سكان العالم يعيشون في أقل البلدان نمواً وبسبب تردي الخدمات الاجتماعية في هذه البلدان فإنها تواجه عقبات ضخمة في الاستفادة من المزايا التي يمكن أن تتحقق من إشراك الشباب كقوة عاملة منتجة.

ويبين التقرير أن الاستثمارات الحاسمة في الشباب اللازمة لجني عائد ديمغرافي تتمثل في استثمارات من شأنها حماية الحقوق ولا سيما الحقوق الإنجابية وتحسين الصحة وتوفير المهارات والمعارف من أجل تعزيز قدرات الشباب وتأثيرهم.

وبين تطلعات التقرير الأممي وثقته بقدرة الشباب ومحاولات محلية لدعمهم رغم تحديات الأزمة وظروف الحرب يبقى واقعهم معلقا على أمل انتهاء الحرب وعودة الأمن والاستقرار إلى سورية ومعه أحلام بمستقبل أفضل للجميع.

سيرياديلي نيوز


التعليقات