سيريا ديلي نيوز- يزيد جرجوس

   لم يكن مستغربا ولا مستبعدا تحول العصابات المسلحة التي انطلقت على أكتافها الأزمة السورية منذ أيامها الأولى، إلى شيء من "تنظيم القاعدة" أو من فكره على صورة جبهة النصرة وتنظيم داعش، كإبنين طبيعيين لهذا المنهج التدميري المتطرف حتى الجنون. بات من نافلة الحديث هنا العودة للتذكير بالأرقام والتواريخ حتى نثبت البداية المسلحة للأحداث، والتي دأبت السلطات السورية على الحديث عنها منذ اللحظة الأولى. وعليه سنركز بحثنا في نقطة أخرى من الخطاب السوري يومها، خطاب نبه وبصورة مركزة من "السلفيين" والمتطرفين الدينيين وعلى رأسهم عصابة الإخوان المسلمين المجرمة، والتي خبرها السوريون قبلا، وبصورة جيدة.
بالنسبة لمن عاش الأحداث في المدن والبلدات الساخنة منذ لحظاتها الأولى يمكنه جيدا أن يتذكر الظهور الملتحي للمسلحين، إضافة للتحركات التي اتخذت من المساجد والجوامع مرتكزا لها، وفي كثير من الأحيان تم لفظ وحتى ضرب رجال الدين الذين رفضوا ذلك. والأهم من هذا وذاك الشعارات الطائفية والصيحات المذهبية التي انطلقت مع أولى "التظاهرات" الصغيرة التي بقيت صغيرة مع تقدم الأحداث، وحافظت على دورها الأساسي في تقديم المادة االاعلامية الرخيصة للإعلام العربي الصهيوني وبعض الإعلام العالمي. ثم إذا التفتنا إلى الكم الهائل من التحريض المذهبي الذي مارسته بعض القنوات الفضائية مستخدمة موظفين أو مرتزقين لديها باسم "شيوخ"، نتأكد كيف كانت كل الأمور تبدأ من المذهبية وتسير في التطرف المذهبي والديني، وكان الدور البارز لممثلي عصابة الإخوان في كل الهيئات والمجالس التي شكلتها أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية وفي عواصم معادية نسبت لها، يؤشر أيضا وبوضوح على ماهية الأمور.
إن دور الإعلام الغربي والعربي والتغطية السياسية من دول الغرب، كلها تفيد وتؤكد على ما قلناه مرارا بأن التطرف الإسلامي اليوم هو مشروع سياسي غربي، بذل الغرب ويبذل كل ما يستطيع لأجله. فهو(وليس الحكومات العربية أو الإسلامية) الذي مارس كل الاعتداءات على "المقدسات الدينية" الإسلامية إن في الدول الإسلامية أثناء الحروب التي يشنها الغرب عليها، أو في المجتمعات الغربية عبر أحداث تم التركيز عليها وصناعة الرأي واللاوعي المتطرف من خلالها، كحادثة الرسوم المسيئة أو فيلم محمد (ص)أو قصة حرق القرآن الكريم...الخ. ولكن وفي إطار الرؤية الشاملة والموضوعية للقضية لا يمكننا أن نهمل العوامل الذاتية، فهناك بيئة خصبة من التخلف وعوامل التطرف شكلت وستشكل تلك الإمكانية الغربية الهائلة على استيلاءالإرهابيين والمنظمات والفكر الإرهابي وثانيا التحكم بهم واستخدامهم حيثما تريد.
  طبعا وفي كل مفصل من مفاصل تطور الفكر المتطرف بكل ما فيه من غرائزية وهمجية، لايمكننا أن نهمل دور العائلة السعودية ومنظريها ومشايخها في ابتكار الفكر الضلالي، وتحريف المقاصد والغايات النبيلة وراء الدين، وهذا أمر لم يبدأ مع هذه العائلة القذرة، ولكنه بدأ منذ مطلع التاريخ الإسلامي، فالبيئة القبلية الصحراوية التي نشأ فيها الفكر الإسلامي ومنظروه، كانت وحدها كفيلة بنفخ تلك الروح القبلية والغرائزية والكلامية والكثير من الآليات والسمات في عقول المنظرين وفي ممارسات أتباعهم. لن نغوص كثيرا في تفاصيل التطور التاريخي للمسالة، ولكن مايهمنا هنا هو قدرة هذه المنظومة على استيلاد أجيال من الشباب المقموع دينيا وباسم المقدس، يعاني من الكبت حتى الانفجار.
الانفجار هو كلمة السر، تلك التي لم يبتكرها الغرب ربما في مشروعه ضدنا، ولكنه أحسن استخدامها. تلك التي لم تنتج عن سياسات القمع السياسي كما يروج بعض الليبراليين العرب، ولكنها بالمختصر الشديد ولدت نتيجة القمع المجتمعي والسلطوي أحيانا باسم الدين. قمع الشباب وكبت حريتهم الانسانية في العيش الطبيعي، تلك التي أنجبت دائما أجيالا من المرضى النفسيين الذين يجنحون للموت ليس حبا فيه، ولكن رغبة في الحصول على ماهم محرومون منه في الحياة، عندما يصور لهم أنهم سيلاقونه وبصورته المادية المبسطة بعد الموت على طريقة

معينة. وإلا كيف سنفهم هذا الترويج الإعلامي المركز لمسائل الجنس والمال، في كل الأخبار والمتعلقات بالحدث السوري تحديدا، في أجندة ما يسمى زورا بالثورة. جوائح كمسألة "جهاد النكاح" ما كانت لتنشا أو ترد في معرض ثورة حقيقية، تبتغي النهضة والتغيير، ناهيكم عن قطع الرؤوس.
  إن المفكرين والمنظرين والمجتهدين في أمور الدين عموما، والإسلام خصوصا، تماما كما الشعوب المنتمية لكل الأديان والطوائف، هم مطالبين اليوم جميعا بالوقوف وقفة تعقل وفكر، تنصف الحرية وتنجيها من براثن العقد والكبت ومعارضة الطبيعة البشرية، تماما كما هم مطالبين بالانتصار للحقيقة، حقيقة كونهم بشر تجمعهم قيم الانسانية قبل أن تفرقهم الأديان والطوائف والمذاهب. فعندما تغرق السفن لا يميز البحر بين ركابها.

يزيد جرجوس

25/10/2014

http://syriadailynews.com/23002

syriadailynews.com/22905

https://www.facebook.com/yazid.ponsot

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات