أعباء كثيرة تضطلع بها الخزينة العامة للدولة ولاسيما في الظروف الحالية التي تمر بها سورية، وإن كان الإنفاق كبيراً في الماضي على الخدمات وفاتورة الدعم فإن الإنفاق بات الآن أكبر في ظل موارد محدودة وترميم عاجل لكل ما يخربه الإرهاب من مؤسسات عامة وبنى تحتية الأمر الذي يجعل من الضرورة بمكان الإجابة عن سؤال شديد الأهمية: كيف يمكن زيادة الواردات للخزينة العامة للدولة؟

 

مصادر اقتصادية ترى أن الرسوم الجمركية والتحصيلات الضريبية وأنواع الرسوم الأخرى كالرسوم البلدية والطوابع تشكل رافداً مهماً للخزينة العامة للدولة، وهنا يبرز دور الإيرادات الضريبية كأهم وسيلة تعزز عبرها الخزينة العامة سيولتها وموجوداتها بالنظر إلى وجود مطارح ضريبية كثيرة نشأت نتيجة الأزمة وظروفها، ولعل أكثرها بروزاً مكلفو الدخل المقطوع والأرباح الحقيقية ممن يعملون في المناطق الآمنة والمستقرة ويحققون الأرباح ويراكمونها دون أي تناسب يذكر بين رقم أعمالهم وأرباحهم المحققة ومبلغ الضريبة التي يسددونها للخزينة العامة، مع الأخذ بالحسبان أن أغلبيتهم يقدمون العون للجان إعادة النظر في وزارة المالية والهيئة العامة للضرائب والرسوم لتخفيض مبلغ الضريبة المسددة تأسيساً على محدودية إيراداتهم.

 

الحالتان الأبرز في هذا المجال (وفق الاعتراضات المسجلة لدى الإدارة الضريبية) هما حالة حلاق مسن يعمل بيده بلغ تكليفه الضريبي نحو 200 ألف ليرة سورية في حين بلغ تكليف إحدى المجموعات التجارية التي تعمل بصناعة وبيع الحلويات عبر نحو 10 إلى 12 مقراً لها ضمن دمشق 160 ألف ليرة سورية منذ بضع سنوات أما المفارقة فهي أن الحلاق والمجموعة التجارية قد صنفا ضمن مكلفي ضريبة الدخل المقطوع، وهي حالة كانت قائمة واستفاد منها كثير من المتهربين من الضريبة للالتفاف على ما يستحق عليهم لمصلحة الخزينة العامة للدولة.

 

وبحسب المصادر الاقتصادية فإن الدولة عملت على زيادة العائدات من خلال تشجيع القطاع الإنتاجي وبالتالي التصديري للإفادة من ضرائبه المستحقة على رقم الأعمال وعائدات القطع الأجنبي التي يحققها، ولكن عائدات مهمة فاتت على الخزينة العامة من خلال بعض الفعاليات التي افتتحت خلال سنوات الأزمة وعملت -ولا تزال- وحققت الأرباح وراكمتها، ولعل المسألة تعود إلى أن سورية قد اتجهت في السنوات التي سبقت الأزمة إلى تخفيض العبء الضريبي في إطار عملية النمو الاقتصادي وتوسعة الناتج أما اليوم فعملية التنمية يجب أن تستأنف ويجب أن تؤمن النفقات اللازمة لها من خلال آليات جديدة للإصلاح الضريبي تتمحور حول زيادة المطارح الضريبية من خلال زيادة الإنتاج والتوسع فيه وخاصة في القطاع التصديري، مع تمويل عملية التنمية من خلال زيادة العائدات الضريبية وهو أمر محقق بتمكين المشاريع الرابحة وليس المعفاة من الضريبة كما كان الحال سابقا وكذلك زيادة معدلات الضريبة على الأنشطة المرتبطة بأصحاب الدخول غير المحدودة من متوسطة وعالية، بالنظر إلى أن المرحلة الحالية تفترض تغيير النظرة والمفهوم والخطة بأن يكون قياس المشروع الرابح والمجدي اقتصادياً بمقدار ما يسدده من ضريبة وليس بمقدار ما يعفى منها.

 

ووفقاً لرأي المصادر الاقتصادية فإن المطارح الضريبية تكاد تكون العلة الأكبر للإصلاح الضريبي وتأمين الإيرادات للخزينة العامة للدولة وهي مطارح يمكن إعادة هيكلتها من خلال إعادة التصنيف على أسس واقعية وليس تقديرية وإن استحال تحقيق ذلك بالأدوات المتاحة حالياً يمكن تجاوزها بتشريع يستصدر لهذه الغاية يكفل المرونة والنتيجة من خلال زيادة الضريبة على شريحة النشاطات المربحة والتي صنفت سابقاً ضمن شريحة الدخل المقطوع والتي تضخمت عائداتها بشكل كبير خلال سنوات الأزمة مثل بعض المتاجر الكبيرة كالمولات التي يبيع بعضها بملايين الليرات يومياً وبعض الأطباء مرتفعي الأجور وكذلك بعض أطباء الأسنان وبعض المحامين -ليس كلهم-ومجموعة متنوعة أخرى من المهن بالنظر إلى أنها أكثر قدرة على تحمل العبء الضريبي وحتى المرتفع منه قياساً إلى الإيرادات التي تحققها، حيث يمكن في هذا السياق تقدير معدل الضريبة ومقداره بناء على عاملين اثنين هما المستفيدان من هذه المهنة والإيراد المحقق، بحيث يمكن لمراقب دخل أن يحضر في مقر صاحب المهنة ليوم عمل وسطي مقداره خمس ساعات واحتساب عدد المراجعين لهذا المقر وبضرب الناتج بالشهر وبقيمة التعويض المدفوع يمكن الوقوف على رقم أقرب للحقيقة بالنسبة لعائدات صاحب المهنة، وبالتالي إقرار ضريبة محددة عليه تكون تصاعدية وفق ما يحققه من أرباح يدفعها كل شهرين مرة على سبيل المثال مع مراجعة الأداء كل نصف سنة كون الهدف الأساسي استمرارية هذا النشاط لمحقق للضريبة وليس إنهاكه ودفعه باتجاه الإغلاق، أي وبعبارة أخرى يمكن لتشريع مستصدر لهذه الغاية أن يمكن الإدارة الضريبية من انتقاء فعاليات محددة ومراقبة إيرادها وتكليفها بالضريبة دون انتظار نتائج العمل على مستوى شريحة التكليف كلها لكون الخدمات العامة وإعادة المؤسسات المتضررة للعمل لا يمكن لها أو للمواطن الانتظار.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات