سيريا ديلي نيوز - الدكتور المهندس محمد غسَّان طيارة

عندما بدأت ظواهر ما أسموه "الربيع العربي" شككت كثيراً فيما جرى واستغربت أن تكون حالة إشعال بوعزيزي النار بنفسه (رحمه الله) أكثر من استغلالٍ مباشرٍ من قِبَل الجهات المخططة لما حدث في تونس ولكن يبقى السؤال مطروحاً عن أسباب انتقال نار "الربيع العربي" إلى ليبيا ومصر واليمن. ولم أشك يوماً أن يحدث "ربيع عربي" في سورية واعتبرت أن ذلك من سابع المستحيلات فهناك قيادات لأحزاب عريقة في سورية والشعب في سورية متماسك ويستحيل التفريق بين أبنائه.

بدأت أحداث درعا المؤسفة وصدر قرار رئاسي بمعالجتها فانتقلت الأحداث إلى محافظة اللاذقية بشعارات طائفة بشِعة ومخيفة ومع ذلك توقعت أن تنتهي هذه التظاهرات في مدة قصيرة لن تستمر أكثر من حزيران 2011.

بعد حزيران بدأت اتفحص ماذا يحدث في سورية وما حدث في الوطن العربي في غير المملكات والإمارات والمشيخات وأبحث في التاريخ البعيد والقريب كي تتضح لي الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض العربي. ومنذ البداية اعتبرت أن تسمية الحالة ب"ربيع" هي نكتة سمجة وإن ما يظهر في ميادين مصر وتونس وليبيا واليمن مدعوم بطُرق مختلفة من قِبل جهات خارجية بأشكال مباشرة وغير مباشرة مستخدمين الإنترنت والرسائل الخليوية لتجميع الناس وراء أفكار براقة وأحلام جميلة. ولكن بقي السؤال المُلح يضغط عليَّ: متى بدء التخطيط ل"الربيع العربي"؟ وكيف تمَّ إعداد البيئة الحاضنة له؟.  

هناك مجموعة من المؤشرات ظهرت على السطح تنير بعض الظلام في طريق التخطيط ل "الربيع العربي" سأذكر بعضها من دون تسلسل تاريخي: وأبدأ بمقدمة للسؤال: هل بدأ التخطيط ل "الربيع العربي‘" في فترة وجيزة قبل أو خلال...

ـــ قول كسينجير من طهران عام 1974 بأن حرب 1973 ستكون آخر الحروب بين العرب وإسرائيل وستشكرني إسرائيل للحروب القادمة بين العرب.  

ـــ ظهور خرائط تقسيم الوطن العربي في عام 1954 موضوعة من قِبل مراكز بحوث صهيونية.

ـــ انتصار المقاومة في لبنان وانسحاب إسرائيل من الشريط الحدودي في أيار 2000.

ـــ اجتياح العراق للكويت.

ـــ احتلال الولايات المتحدة وبعض أعوانها العراق في سنة 2003 ورفض سورية للتهديدات الأميركية بسبب عدم موافقتها على اجتياح العراق وطبعاً رفضها المشاركة في احتلال العراق.

ـــ ظهور تعبير الشرق الأوسط الكبير على لسان شمعون بيريز في سنة 1991.

ـــ حديث كونداليزا رايس عن الفوضى الخلاقة ووالدة الشرق الأوسط الجديد في بيروت خلال الفطور الشهير في السفارة الأميركية ببيروت مع قوى 14 آذار خلال العدوان الهمجي الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006.

ـــ الحلم الصهيوني الذي عبر عنه تيودور هيرتزل في مذكراته في سنة 1897 ورغبته أن تصبح دول الشرق الأوسط كمستعمرات تقدم العمالة الرخيصة وتدور في الفلك الإسرائيلي ذو الخبرة العلمية والحضارة الراقية.

ـــ تقسيم السودان ونجاح التقسيم بواسطة الاستفتاء في شباط 2011 سرَّع في تنفيذ خطوات الربيع العربي.

ـــ انتهاء صلاحيات معاهدة سايكس ـــ بيكو  وضرورة وضع اتفاقية جديدة لتقسيم الوطن العربي المقسم أصلاً.

إنها نقاط علام يمكن أن تساعد على تحديد بداية التخطيط لتمزيق الوطن العربي تحت مسميات براقة كالحرية

والديمقراطية. ويجب أن نعترف بأن المخططون برعوا في إخفاء بديات أعمالها وتفاجئنا نحن أصحاب القضية بما يحدث بين ظهرانينا وعلى أراضينا ويزداد استغرابنا من سرعة انتشار ظاهرة "الربيع العربي" كحريق الزرع الهشيم بين بلداننا.

هل تفاجئنا بما يحدث في الوطن العربي بشكلٍ عام وفي سورية بشكلٍ خاص؟.

من حيث المبدأ فقد تفاجئت بما حدث في جميع البلدان العربية بشكلٍ عام وفي سورية بشكلٍ خاص ولكن منذ البداية لم تضيع بوصلتي الموجه دائماً نحو فلسطين. فقد اعتبرت إن أحد أهداف "الربيع العربي" هو في اعتبار إشغال العرب ضرورة حيوية لإراحة إسرائيل وهذا المخطط ليس بالجديد وإن كان بغفلة منا. ويتذاكى البعض بأنهم كانوا يتوقعون حدوث أمور مشابهة. وإذا كانت مفاجئتي بما حدث هو غباء فأقبله لأنه خير من التذاكي.

المهم بدأت المؤامرة وهي مستمرة وما ذكرته قد تكون عوامل مساعدة وهي مجتمعة تشكل عناصر لبداية خطط التآمر علينا بهدف تدمير قدراتنا الدفاعية وصمودنا في وجه الطاغوت الصهيوني الأكبر الذي يحلم في ابتلاع فلسطين لقمة سائغة خلال تلهينا في الحروب الأممية بيننا وبنا وعلينا.

والسؤال المهم وهو المتعلق فينا بذاتنا عن كيفية تحضير البيئة الحاضنة التي ساعدت على انتشار أوبئة الهجمات الإرهابية. ومع قناعتي الأكيدة بأن التظاهرات لم تبدأ سلمية يوماً ولكن بدأها بعض السوريين المعدين مسبقاً بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر وهم الذين استقبلوا المجموعات التكفيرية الإرهابية الواردة من دول العالم وهم بداية تشْكيل الأرضية أو البيئة الحاضنة للإرهاب.

تشكَّلت البيئة الحاضنة ولم نعْرف بها إلا متأخراً ولم نتحسس أعمالها وتحضيراتها وقد يكون قد شارك بعضنا في تكوينها في غفلة منه ومن الزمن.

إذا فشلنا في تحديد بداية التخطيط ل "الربيع اقد ساعدهم من حقنا التغاضي عن كيفية تشكيل البيئة الحاضنة أمام أعيننا المغمضة عنه والمفتوحة ضد بعضنا؟!.

ومن هنا أيضاً سأطرح بعض الأسئلة أو النقاط التي قد تكون قد ساعدت على تشْكيل البيئة الحاضنة للإرهاب وهنا أقصد بداياته وليس في هذا الوقت المتأخر:

ـــ ضعف الاهتمام بتنمية الريف.

ـــ الفساد في مواقع قيادية مسؤولة. وفي مقدمتها التهريب والرشوات  التي تمت بشكلٍ مفضوح في كثير من زوايا العمل المؤسساتي وكذلك ضعف التنمية الإدارية. وقد تشكَّلت البيئة الحاضنة من المهربين ومن الفارين من الأحكام أو من المتوارين عن أنظار العدالة. لقد وصل إليهم المخططون في غفلة منا وقد يكون قد ساعدهم بعضنا من دون معرفة أو حتى عن حسن نية.

ـــ التعليم وضعف الرقابة على البرامج التعليمية والخلفية الثقافية للمدرسين والمدرسات وأكبر دليل على ذلك وجود أعداد كبيرة من المنقبات في مدارسنا وهن مسئولات عن تعليم جيل من الأبناء وسكوت الوزارات والأهل عن انتشار ظاهرة التعصُّب الديني البغيض في مدارسنا.

ـــ وجود مواقع متمركزة في مُعْظم مراكز المحافظات تحتمي فيها الجماعات الهاربة من وجه العدالة وخاصة القريبة من الحدود السورية مع دول المنطقة.

ـــ انتشار الوهابية التكفيرية في مناطق متعددة وخاصة في ريف دمشق بغفلة من الأحزاب التقدمية ومن منظماتنا

الشعبية والحزبية ويقال أنها بدأت في دوما وجوبر.

ـــ عدم متابعة برامجنا الاقتصادية مع كل تغيير وزاري فلكل وزير سياسة معارضة لمن سبقه حتى قالوا بأنه مع كل تغيير وزاري تعود الحكومة الجديدة إلى نقطة الصفر وقد قال لي شخصياً أن أحد الوزراء: "لكل زمان دولة ورجال" على الرغم من أننا كنَّا وما زلنا في دولة مستمرة وتغيير الشخص لن يبدل الحقيقة. لهذا قلت مرات عديدة بأن المسؤول الجديد يدخل في حدود مسؤولية كل عمل خاطئ جرى قبل استلامه موقعه من دون رمي الكرة في ملعب السابقين في المسؤولية. يكفي تحميل الوزراء السابقين مسؤولية الخطأ والسابقون يحملون الأسبق وهكذا حتى نصل إلى آدم ومنه إلى قابيل الذي قتل هابيل.

ـــ عدم محاسبة الوزراء ولم نحاسب من رشَّح أي شخص فاشل إلى موقع ما في المسؤولية. وكل وزير أول ما  يبدأ عمله يكون بفصل بعض الأشخاص بحجة أنهم من زلم المسؤول الذي سبقه. حتى إنها اصبحت سياسة رئاسة مجلس الوزراء وبحجة مكافحة الفساد. ويتضمن كل بيان وزاري عبارات طنانة عن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب التي تُفسَّر بتغيير بعض المفاصل "وكفى الله المؤمنين القتال". والسؤال: من هو المسؤول المناسب الذي يختار الرجل المناسب؟!.

هناك نقاط أخرى كانت من أسباب تشْكيل البيئة الملائمة التي احتضنت الإرهابيين والمجموعات التكفيرية.

المهم تشكلت البيئة الحاضنة في غفلة منا أو إهمال غير مقصود من بعضنا ومقصودة من البعض الآخر وفي مقدمتهم من جمع الأموال وتناسى الوطن.

الأسئلة التي وضعتها هي تصورات أولية وقد تحتاج إلى إعادة التمحيص والمتابعة للوصول إلى جزءٍ كافٍ من الحقيقة لأن الحقيقة كامل هي من صنع الخالق وعنده فهو الحق.

وتبقى الأسئلة مطروحة:

ـــ متى بدأ التخطيط ل "الربيع العربي"؟.

ـــ كيف تم تشْكيل البيئة الحاضنة؟.

ـــ لماذا غفلنا عن تشكْيل البيئة الحاضنة؟.

syriadailynews


التعليقات