سيرياديلي نيوز- الدكتور المهندس محمد غسَّان طيارة
إن مراجعة ما ظهر في الإعلام المغْرض منذ بدء الهجوم الأميركي على التنظيمات الإرهابية في العراق والمتمثلة في داعش وحتى هذا اليوم يعني قراءة أكثر من خمسمائة صفحة من الحجم الكبير ومن كِثْرة التناقضات فيها سنشعر بتزايد تعقيدات الوضع في سوريا والعراق مما يجعل الحل الوطني صعب المنال, وهذا ما تريده واشنطن وعملائها في المنطقة وفي أوربا, فلا تسلسل الأحداث واضحٌ ولا التصريحات متوافقة فيما بينها على مختلف الألسن الأميركية وعملائها. ويظهر جلياً للمتابع بأن هدف واشنطن يتلخص في إطالة عمر الأزمة في سوريا والعراق وتسهيل مهمة الصهاينة في قضم الأراضي الفلسطينية. وسأحاول المرور العمل على توضيح الدور الأميركي الخبيث في التحالف الإرهابي أو "التحالف الدولي" لضرب الإرهاب:
ـــ إن الولايات المتحدة تاريخياً إرهابية في كل تصرفاتها منذ بداية وجودها عندما قتلت وشردت قبائل الهنود الحمر, ولم تدخل منطقة إلا دمرتها وقد بدأت برمي القنابل النووية على هورشيما ونكازاكي ومن لم يزور متحف هورشيما يصْعب عليه تصور فظاعة الجرائم التي جرت فيها. ( لقد زرت المتحف ).
ـــ إن واشنطن مستعدة لقتل من يقف في وجهها وهي تقتل أي عميل لا ينفذ تعليماتها الإرهابية وتتخلص منه عندما تشْعر بأنها لم تعد بحاجة إليه أو قد يفْتضح أمرها. وتتخلص من الملوك والرؤساء والأمراء وأي حاكم تجد أن مهمته قد انتهت.
ـــ لم تدخل واشنطن أي دولة إلا دمرتها وتترك أبناء تلك الدولة الذين ساندوها وكانوا عملائها تحت رحمة المنتصرين عليها من أبناء البلد وخير مثال على ذلك تدمير فيتنام ومن زار هانوي يجد عدداً كبيراً جداً من السكان المعاقين في النظر أو اليدين أو الأرجل فترى عاهات أكبر من التخيُّل تسير بتشوهاتها في شوارع المدن الفيتنامية. (شاهدت الإرهاب الأميركي في هانوي في زيارة شبه رسمية لها).
ـــ دمَّرت الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا واليمن وتونس بدرجات مختلفة ولكن لم تحل أي مشكلة دخلت من أجلها بل زادتها تعقيداً. وهذا التعْقيد يؤدي إلى خلق صعوبات معاشية اقتصادية اجتماعية بينما تدَّعي واشنطن أنها ساعدت في بناء الديمقراطية, من وجهة نظرها, بينما في الواقع فقد استبدلت الأنظمة "غير الديمقراطية" بأنظمة إرهابية تأكل الأخضر واليابس.
ـــ إن كل ما تقوم به واشنطن هو لدعم الدولة الصهيونية وإرهابها ضد الشعب العربي في فلسطين.
ـــ قبل الثورة الإيرانية كانت إيران هي دركي المنطقة لحماية مصالح واشنطن ولحماية إسرائيل وكانت دول الخليج والسعودية تنفِّذ اوامر الشاه, وبعد سقوطه رفضت واشنطن حتى استضافته وأعزت لعملائها عربان الخليج لشق عصا الطاعة ضد إيران التي تبنت القضية الفلسطينية وقضايا السلام في المنطقة العربية.
بعد هذه الملاحظات التي هي جزء بسيط من إرهاب الدولة تقوم واشنطن بالتحالف مع الدول التي دعمت الإرهاب في العراق وسوريا وقبلها في ليبيا واليمن والبحرين ومولته. فهل يمكن لأي عاقل أن ينضم لمثل هذا التحالف الممارس أو الداعم للإرهاب أو يثق به إذا لم يكن إرهابياً وغرق حتى أذنيه في دعمه وتصديره؟.
ـــ إن التحالف الدولي ـــ أمريكي بامتياز إرهابي في جوهره لتدمير سوريا والعراق من دون تحقيق أي انتصار على الإرهاب, والهم الوحيد لواشنطن هو تعقيد حل قضية مكافحة الإرهاب ودعم الدولة الصهيونية المعتدية.
ـــ إن الانتصار الجزئي لغزة أضعف قوة إسرائيل ولهذا تريد واشنطن توجيه أنظار ضعفاء النفوس نحو العمل "الإنساني" الذي تقوم به واشنطن في مكافحة "الإرهاب".
ـــ إن تشْكيل هذا "التحالف الدولي ـــ أمريكي" مخالف للقرار 2710 وقرارات مجلس الأمن التي وردت في مقدمته وجمعيها مخْتصة بمكافحة الإرهاب ولهذا يجب شجبه ورفض التعاون معه, ولهذا من حقنا كسوريين رفضه وعدم التعامل معه ومن حقنا أن نطالب توضيح أسباب سكوت قياداتنا عنه في حالة الجمود منه, ولهذا تابعت باهتمام شديد كل ما صدر عن الدبلوماسية السورية والعربية والدولية.
هناك تناقضات كثيرة فيما سمعناه أو قرأناه ويعود سبب هذه التناقضات إلى الخطابات المتناقضة لواشنطن فهي من طرف تضرب مراكز القيادات الإرهابية في سوريا ومن طرف آخر تقول إنها ستدرب 5000 متدرب من المعارضة "المعتدلة" للمساعدة على الأرض ضد الإرهابيين والجيش العربي السوري, وتُصرِّح بأن عدد الإرهابيين الأجانب يصل إلى 50000 ألف إرهابي أجنبي ( كانوا قبل عدة أيام ما بين 12 ألف و 31500 إرهابي أجنبي) وهي مستمرة في الضرب لمدة سنة. فكيف ستتمكن هذه الفئة الضالة من امتلاك الأرض عوضاً عن الجيش العربي السوري المتمرس في قتال الإرهابيين التكفيريين وتدمير جزء كبير من قوتهم ومن مرتزقة واشنطن من باقي التنظيمات الإرهابية المدعومة بالأفراد والمال والعتاد من السعودية وقطر وتركيا؟!. وفي مكان آخر نسمع ونقرأ تصريحات أميركية تقول بأن الحل في سوريا لن يكون إلا سياسياً. الهدف ينحصر في زيادة تعقيد الأزمة بهدف إطالتها الأزمة وزيادة التدمير في سوريا فقد تخضع سوريا تحت الحاجة وضرورات الاستمرار إلى الابتزاز الأميركي وتأمين حالة الاستقرار للدولة الصهيونية المغتصبة لأراضينا العربية في سوريا ولبنان وفلسطين من البحر إلى النهر.
وهنا نتساءل عن أسباب ضرب آبار النفط في سوريا من قِبل واشنطن, اليس ذلك من أسباب تكوين ضغط اقتصادي على الدولة السورية؟. وهل كان صعباً على قواتنا المسلحة من ضرب تلك الآبار؟. ولن أذهب بعيداً فلنتصور الخسائر التي كان سيتعرض لها الوطن والمواطن لو أن الجيش العربي السوري ضرب آبار حقول الشاعر للغاز ولم يعْمد إلى تحريرها من المجموعات التكفيرية الإرهابية طبعاً ستكون خسائرنا كبيرة جدا. أننا ندافع عن الوطن ونرغب منع تدميره بينما تريد واشنطن باسم مكافحة الإرهاب تدمير بُنْيتنا التحتية والاقتصادية لزيادة الصعوبة في إعادة الإعمار وإطالة أمده أي خلق تعقيد جديد أمام السوريين.
ومن العودة إلى تصريحات الدبلوماسية السورية وغيرها نجد التالي:
ـــ جرى إعلام مندوب سورية في منظمة الأمم المتحدة بشار الجعفري من قبل المندوبة الأميركية في مجلس الأمن بأنها قامت بإبلاغه قبل موعد الضربات ضد المجموعات التكفيرية بعدة ساعات.
ـــ بيان وزارة الخارجية والمغتربين في سورية يوضح استلام الوزير وليد المعلم رسالة من الوزير كيري عن طريق وزير الخارجية العراقي.
ـــ نفت واشنطن هذا الموضوع من دون أن نسْمع نفي من وزير الخارجية العراقية. بل سمعنا من الإعلام الرسمي في الأردن بأن الضربات جرت بالتنسيق الكامل مع الحكومة السورية.
ـــ تصريحات القيادة الروسية والقيادة الإيرانية بأن عمليات "التحالف الدولي ـــ أمريكي" مسرحية هوليودية ومخالف للقرارات والمواثيق الدولية.
إن أسباب اعتراض بعضنا على "جمود" الموقف السوري يعود إلى اللغط الإعلامي الذي رافق المؤتمر الصحفي للوزير المعلم بتاريخ 25 آب 2014 عندما قال: "إن أي خرق للسيادة السورية من أي طرف هو عدوان". فقد فسر بعض الإعلاميين بأن القيادة السورية ستضرب طائرات "التحالف الدولي ـــ أمريكي" عندما تخترق الأجواء السورية. وقد قابلت واشنطن هذا الإعلام بتسخين الوضع عندما ردت بأنها ستُدمر الأهداف العسكرية المعترضة.
إن الجو الإعلامي المرافق أدخل بعضنا في بعض الوهم الوطني من دون دراسة كل ما قاله الوزير المعلم فقد جاء في كلامه العبارات التالية: "أن أي جهد لمكافحة الإرهاب يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة السورية التي تمثل السيادة مبيناً أن سورية تضع اليوم المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لتنفيذ قرار مجلس الامن 2170 وتريد أن ترى التزاما حقيقيا بتنفيذ بنود هذا القرار من قبل جميع الدول وخاصة دول جوار سورية وسيكون هذا الموقف محور تحرك الدبلوماسية السورية في المرحلة القادمة". نلاحظ أن الوزير المعلم ركَّز على التنسيق هو الأساس في محاربة الإرهاب. وفي معرضٍ آخر وسابق قالت القيادة السورية بأنها ليس في النوايا السورية توتير العلاقات مع واشنطن ولن تدخل في حرب معها. كما قال الوزير المعلم في مؤتمره الصحفي: أن حدود التعاون تتوقف على أطراف الائتلاف الدولي وستتم مناقشة ذلك في ضوء مصالحنا الوطنية. أي تحديد دور الائتلاف الدولي تحدده سورية في ضوء المصلحة الوطنية.
والسؤال النهائي: هل كان هناك خرق للسيادة السورية أم كان هناك تنسيق مع واشنطن في ضرب المراكز الإرهابية؟. وما هي أسباب اعتبار سورية وإيران وروسيا وانضمت إليهم مؤخراً الصين بأن ضربات "التحالف الدولي ـــ أمريكي" يتعارض مع القرارات الدولية وعلى وجه الخصوص القرار 2170 ؟.
إن جزءً من الجواب استنتاجي والجزء الآخر سياسي تؤكده بعض وسائل الإعلام:
ـــ إن التنسيق تمَّ فعلياً سواء أقرته واشنطن أم نفته لأن العمليات العسكرية المترافقة من قبل الجيش السوري وقوى التحالف تضطر واشنطن لطلب التنسيق فلا يمكن أن تتشارك قوى متنوعة في قياداتها في توجيه طائراتها وقذائفها من دون المعرفة الدقيقة لمسارات الطيارات والقذائف من قِبل الطرفين على حد سواء حتى لتتصادم فيما بينها وتسقط ضحايا في غير المواقع المحددة أو كما يقولون عسكريا سقوط ضحايا بنار صديقة.
ـــ إن رفض الإعلان عن الموافقة على هذا الشكل من التحالف من الدول المعارضة له وفي مقدمتها سوريا يضع تلك الدول في خندقٍ واحد مع التحالف في مخالفة القرارات الدولية الذي رفضته تلك الدول خلال كامل فترة الأزمة وأدانت واشنطن دوماً في الكيل بمكيالين ودعمها للإرهاب.
ـــ لقد ضربت القوات الجوية السورية مواقع داعش حول مدينة عين العرب وفكت الحصار عنها بشهادة أبناء البلد والمهجرين منها, وكان ذلك قبل وخلال تحريك واشنطن لقواتها ضد داعش والنصرة في سوريا.
عمدت واشنطن إلى تبرئة السعودية وقطر وتركيا من دعم الإرهابيين التكفيريين بالمال والعتاد "والجهادين" وقالت إن من يقوم بهذا التمويل والدعم مُجرَّد أفراد وفرضت على بعضهم عقوبات اقتصادية على حد زعمها. وأتساءل هل هناك إنسان عاقل يُصدِّق هذا الكلام السخيف أو كما يقول الأخوة في مصر "كلام ماسخ". وصرح وزير الطاقة التركي بأن داعش لا تبيع النفط المسروق من سوريا عبر أراضيها, وهذا أيضاً كلام ماسخ وكاذب وزادت عليه تركيا بأنها منعت ألف "جهادي" من العبور من أراضيها باتجاه سوريا للالتحاق بداعش. هذا الكلام جاء عند صدور القرار 2178 عن مجلس الأمن حول منع التمويل ومنع "الجهاديين" الأجانب من السفر إلى سوريا والعراق. أي أن تركيا ودول الخليج الداعمين للإرهابيين تملصوا من القرار الجديد قبل تنفيذه. إنها واشنطن التي تريد زيادة تعقيد أزمة التصدي للإرهاب من داعش وجبهة النُصْرة في سوريا والعراق.
ولتوضيح دور قواتنا المسلحة وأن هناك تنسيق قد حصل في توجيه الضربات ضد المجموعات التكفيرية أُورِد ملخصاً للأخبار من الصحف الروسية التي أوردتها وكالة آنا الإخبارية عن مجريات الحرب بتاريخ 23 أيلول 2014 أي نفس يوم بدء توجيه ضربات "التحالف الدولي ـــ أمريكي":
(قامت الطائرات السورية بتدمير قافلة سيارات "للدول الإسلامية" المتوجه شرقا نحو مواقع القتال في ريف مدينة عين العرب وكذلك معسكر تدريبي ووكر في رأس العين وفي نل أبيض وحتى عين العرب.
وبحسب مصادر مطلعة وتحسباً للحرب الدائرة في المنطقة فقد أخلت المجموعات الإسلامية قواتها وآلياتها من مواقعها في الباب ومنبج إلى نقاط بعيدة في الريف الشمالي الشرقي.
وبعد الانتهاء من توجيه الضربات الأميركية الجوية مع قوى التحالف قامت القاذفات الجوية السورية بتوجيه ضرباتها للأعداء بقرب مدينة الباب وقرب مطار كوبيرس بالقرب من ريف السفيرة وبحسب مصادر "الجهاديين" فقد سقط لهم 30 قتيل وتدمير 10 سيارات و 3 دبابات). أي متابعة الهاربين من الضربات الأميركية.
عندما تتعقَّد الأزمة ويصْعب معها الحل الوطني قد ينجرف البعض باتجاه خاطئ يتلاقى عن غير قصد مع الأهداف الأميركية ولهذا يجب أن لا نحيد عن حقيقة أن واشنطن دولة راعية للإرهاب وأن بوصلتنا موجهة نحو فلسطين ونحو القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة, وإن انتصارنا يكون على أعداء الوطن وليس على أبناء الوطن من المغرر بهم وبأقل الخسائر فكل جدارٍ يسقط نتيجة هذه الحرب الدولية علينا سنعيد نحن بنائه بعرقنا ومالنا وبعضاً من صعوبة عيْشنا. ودم كل مواطن يسقط من المغرر بهم عزيز علينا ولهذا يجب أن نتعاون جمعياً لإعادة كل فرد منهم إلى حضن الوطن.
التنسيق حصل والتعقيد الأميركي مستمر والكذب قائم من واشنطن وعملائها وبوصلتنا نحو فلسطين.
سيرياديلي نيوز
2014-09-27 20:30:23