منذ وجد الإنسان على هذه الأرض بهبوط آدم و حواء من الجنة , رافق الدين مسيرة البشر على هذا الكوكب , و عندما أقول دين فلا أعني الديانات السماوية أو التوحيدية أو غيرها , إنما إلى إيمان البشر بوجود قوة كبرى هائلة تتحكم بمصيرنا و تقود تصرفاتنا نلجأ إليها في ضعفنا لتنقذنا من أهوال الكوارث التي قد تحل بنا , و يتساوى عند هذا عابد الحجر مع عابد الشجر و الأفعى و النهر و غيرها من القوى التي حسب البشر إنها قادرة على إنقاذهم و تحسين ظروف معيشتهم. و كما تقول الأسطورة الدينية و التي وردت فيما بعد بالكتب المقدسة القرآن و الإنجيل و التوراة , فإن أبناء آدم قد وقع الخلاف بينهم وفقا لروايتين إحداهما تقول بأن قابيل قدم للرب قربانا و هي شاة مريضة كونه راع للغنم بينما قدم هابيل أفضل سنابل القمح في حقله كونه مزارعا فنزلت النار المقدسة على قربان هابيل , دليلا لقبول قربانه , و رفضت قربان قابيل الذي حسد أخاه فقتله . و الرواية الأخرى التي تقول بأن أولاد آدم كانوا يتزوجون من بعضهم لعدم وجود بشر آخرين غيرهم على الكوكب , و كانت حواء تلد توائم في كل توأم ولد و بنت فيتزوج الغلام من التوأم الأول الفتاة من التوأم الثاني و هكذا دواليك إلا أن قابيل أعجبته الفتاة شقيقته التوأم و لم يرد إعطائها لأخيه هابيل و كان اسمها عناق وفقا للرواية و اختلفوا حول ذلك فقتل قابيل هابيلا , و طرد سيدنا آدم قابيل مع أخته عناق الذين ارتكبا أول حالة سفاح قربى في التاريخ من الشام إلى اليمن و انتقلت رسالة الإيمان من آدم إلى سيدنا شيث " هبة الله " ثم تاه البشر في طبيعة الرب الذي يعبدون و افترقوا بعد الكثرة و عمروا الأرض و بدأوا يبحثون عن إله يعبدونه نتيجة لحاجتهم و ضعفهم في مواجهة ظروف الطبيعة القاسية و بدأوا يستعينون بالوسائل التي قد تقربهم من الرب فآمنوا بالحجر كالأصنام يستجيرونها و أشجار الغابة يستغيثون بها و الأنهار التي تنشر الخصب و غيرها من مظاهر الطبيعة الجبّارة و يقدمون لها الأضاحي البشرية كي ترضى عنهم و تكف أذاها عنهم , فابتلعت أنهار الأرض كالنيل و الأمازون و الغانج و غيرها ملايين الأضاحي البشرية و التي يتم اختيارها بعناية كأن تكون أجمل النساء أو أقوى الرجال طلبا لمرضاة الرب . تشكل مفهوم الدين فيما بعد و مع ظهور المجتمعات لحفظ الحقوق و حماية المجتمع فكانت الوصايا العشرة " لا تقتل , لا تزن , لا تسرق , لا تشهد بالزور ... الخ " كنظام مجتمعي يتعايش فيه البشر بسلام دون أن يعتدي أحدهم على الآخر و من يخالف ذلك يعتبر مجرما يستحق عقاب المجتمع ثم ظهر الدعاة و المصلحين يدعون أبناء مجتمعاتهم إلى ديانات توحيدية تدعو إلى إله واحد أكبر من كل الآلهة التي يعبدها البشر , و هو الإله الذي يستحق العبادة و كل من يخالف هذه العبادة يعتبر كافرا و منكرا للرب الواحد المتحكم بمصير البشر , و تتالت رسالات السماء التي يقر الإسلام بثلاثة منها هي التوراة و الإنجيل و القرآن الذي اعتبره المسلمون خاتم الرسالات و أكملها , وعند ظهور كل رسالة كانت تنشأ حروب أهلية يذهب ضحيتها ملايين البشر , و لا يسلم منها إلا من يقر بالرسالة الجديدة و يعتنقها , وإلا صار غريبا إذا سلم بحياته فعليه الخضوع لأصحاب الديانة الجديدة و الالتزام بشروطها للبقاء , و تناقل البشر الرسالة المحمدية التي افترقت فرقا كثيرة كل فرقة تكفر أختها و يتقرب أتباعها إلى الله برؤوس أصحاب الفرق الأخرى , ولا زالت أنهار الدماء تتدفق طلبا لرضى الله الذي يراقب و يرى و سوف يحاسب الظالمين في يوم الدين بزعم كل أصحاب الرسالات و معتنقي أي دين. و كأمثلة عن الحروب الدينية نستطيع أن نذكر ما سجلته كتب التاريخ القريب , لغياب التوثيق في جرائم الإبادة البشرية بسبب الدين قبل عصر التدوين . هناك عصر في أوروبا اسمه عصر الحروب الدينية , استمرت مائة و واحدا و ثلاثين عاما, جرت هذه الحروب في سويسرا و فرنسا و ألمانيا و النمسا و بوهيميا و هولندا و انجلترا و سكوتلاندا وايرلندا و الدنمارك و اسبانيا, قتلت هذه الحروب في اقل التقديرات (2) مليون نسمة, في فرنسا استمرت ضمن ثماني موجات متتالية, كان جلها بين البروتستانت و الكاثوليك. خسرت ألمانيا في حرب الثلاثين عاما نصف عدد سكانها, دمر الجيش السويدي في ألمانيا 2000 قلعة و ثمانية عشر ألف قرية وألف و خمسمائة مدينة , حتى أصبح هناك وفرة في النساء و قلة في الرجال, الحرب الأهلية في اسبانيا قتلت (6485) رجل دين, و حوالي ثلاثمائة و ستون ألف ضحية. هذه الحروب أمدها طويل, و خسارتها فادحة, لأن إسقاط عقيدة أخطر من إسقاط دولة, الكل يعتقد أنه مكلف بأمر سماوي لتطهير العقيدة. على أية حال الشرح يطول حول هذه الحروب, و لكنها انتهت و بدأت مكانها العلاقات الدولية الجديدة و ظهر الاتحاد الأوروبي, و الدول تحاول أن تخلق مناخا جديدا للتعاون في مجالات الصناعة و الطيران و التسليح, رغم كل هذا التاريخ من العداوات و الحروب الطاحنة أي أن حروبهم الدينية فيما بينهم قد انتهت. يمكننا أن نذكر أيضا تمرد المسلمين كانت حرباً دينية في الصين في القرن التاسع عشر، وتسمى أيضاً ثورة دونغان وحرب الأقليات، نشأت الحرب بسبب انطلاق العديد من الانتفاضات التي تهدف لإقامة إمارة إسلامية في الصين والتي فشلت في النهاية وتسببت بموت أعداد كبيرة من المسلمين، ويقدر عدد القتلى بـ12 مليون شخص، أما الأمر المؤكد فهو فقدان بلدة "هوي" التي كان سكانها من المسلمين لنسبة 91% من كثافتها السكانية بعد الحرب، وهو الأمر الذي أدى لهروب العديد من المسلمين إلى روسيا. أكبر الحروب الدينية التي نشأت في القرن التاسع عشر في الصين، بسبب رغبة جزء كبير من الشعب بتعديل الديانة البوذية وإضافة بعض الأمور من المسيحية إليها، قاد هذا التمرد Hong Xiuquan وسيطر على الحكم وأراد أن يمحو كل الأديان التقليدية والغير سماوية كما رغب بشن حرب خاصة على سلالة تشينغ التي حكمت الصين في ذلك الوقت، ولكن القوات الفرنسية والبريطانية دعمت سلالة تشينغ واستمرت الحرب لمدة 15 عاماً انتهت بهزيمة Hong Xiuquan وفقدان ما يقرب من حياة 20 مليون شخص. في عام 1616 بدأ زعيم منشوريا Nurchaci السيطرة على قبائل منشوريا الموجودة في الصين، في 1618 طالب سلالة مينغ أن تدفع له الجزية ولكنهم رفضوا ودخلوا في حرب معه استمرت لسنوات وفي النهاية خسروا الحرب، ولكن لم يدم حكم سلالة منشوريا طويلاً فقد بدأت جمهورية الصين في عام 1912 ويقدر عدد القتلى خلال هذه الحرب بـ25 مليون شخص. استمر تمرد آن شي لفترة طويلة شهدت 3 أسر من أباطرة سلالة تانغ في الصين، بدأت في 755 وانتهت في 763، ويقال إن هذا التمرد لم يتوقف لفترة كبيرة وتسبب في موت 36 مليون شخص وجعل حكم الإمبراطور الصيني لا أهمية له وأصبح مجرد منصب شرفي فقط لا غير. و في مقال نشرته الجارديان البريطانية حول حضارة الأنكا في أمريكا اللاتينية يقول فيه الكاتب : وقد حاولت حضارة "الأنكا" أن تقف بقوة لدرء تلك الكوارث الطبيعية التي كانت تقف على حزام النار للمحيط الهادي، وأظهرت هذه الحضارة المتقدمة جانبًا غامضًا بل يكاد يكون واحدًا من أسرارهم الكثيرة متمثلاً بتلك العادة التي انتهجها شعب "الأنكا" بالتضحية بالأطفال لإرضاء الطبيعة، كما يوضح ذلك العالم كيم ماكويري وهو أحد روّاد الأنثروبولوجيا. ويشير هذا الكاتب في اقتباس مأخوذ من خوان دي بيتانزوس في عام 1551 يقول فيه التالي: هؤلاء الأطفال (لا بد من التضحية بهم إلى الجبل والآلهة الأخرى) وسيتم جمعهم من جميع أنحاء الأرض وسيحملون بالمهود معًا... وينبغي أن يرتدوا الملابس الأنيقة جدًا، ويأتوا إناثًا وذكورًا. ويقول اقتباس آخر لبرنابيه كوبو في عام 1653 التالي: إن الطبيعة البشرية للإنسان لا تسمح له بقتل أطفاله.. ما لم يكن يتوقع جزاءً أو أجرًا أفضل عما كان يفعل، أو ما لم يعتقد أنه سيرسل أطفاله إلى مكان أفضل. و لعل الخاتمة التي ختم بها كاتب المقال مقالته تعتبر أكبر معبر عما يدفع الناس للتضحية بأولادهم " فلذات أكبادهم " كونهم يتوقعون من الله جزاء أو أجرا أفضل و يعتقدون بأن أولادهم الضحايا سيذهبون إلى مكان أفضل أليس ذلك هو ما يحدث اليوم في بلادنا عندما تقوم أم بتفخيخ جسد ابنتها النحيل بالمتفجرات أو أب يقتل ولده طلبا لرضى الله و طمعا بمثوبته أعناق كثيرة فصلتها مقاصل الدين عبر التاريخ البشري و كأنها إشارة إلى محاولة للفصل بين العقل و الجسد .
سيريا ديلي نيوز
2014-09-22 07:37:37