سيريا ديلي نيوز - الدكتور المهندس محمد غسَّان طيارة

قرأت مقالات كثيرة عن ما يحدث في العراق بسبب احتلال الموصل ثاني مدينة بحجم المساحة وعدد السكان في العراق واستمعت لعدد من المحللين من أطراف تؤيد المالكي ومن أطراف أخرى تعاديه. وعلى الرغم من أهمية ما كُتِب وما قيل عن هذه المأساة فإنني وجدت أن هناك بعض النقص في المعرفة وخاصة عن فترة حكم صدام حسين وتداعياتها على الحوادث المأساوية التي حدثت في العراق ومعرفة كيف كان صدام حسين يقود البلاد.

لقد زرت العراق عدة مرات منذ سنة 1976 وحتى سنة 2002 وقابلت مجموعة من القيادات العراقية الوسطية من أعضاء مجلس الشعب ومعاوني الوزراء وبعض مدراء المؤسسات العامة ومن المهندسين وعدد من نقباء المهندسين وتناقشنا في الشأن العراقي وعلاقته مع المحيط وخاصة سورية وإيران ومن خلال المناقشات من هذه القضايا سمعت الكثير ولاحظت الكثير. وحتى لا نضيع في بعض التفاصيل يمكن التأكيد على النقاط التالية:

ـــ تمكن صدام حسين من زرع الرعب في نفوس تلك القيادات الوسطى فعند مقابلة عضوين من مجلس الشعب العراقي في الهند في سنة 1982 سمعت من كل عضو على حدى الرغبة في المصالحة مع سورية ويشككان في خدمة العراق في حربه ضد إيران وعندما يجتمعان معاً تسمع هجوماً شنيعاً على سورية وإيران. الرعب هو سبب المباشر لفقدان الثقة فيما بينهما. لقد عانى جميع العراقيين من بسطاء القوم مآسي الانتقام الذي مارسه صدام حسين ضد كل من تخوله نفسه حتى التفكير في التعبير عن مخالفته أي قرار صادر عن صدام حسين. فقد اتخذ صدام حسين قراراً بعدم ضرورة تسجيل المهندس في النقابة للحصول على ترخيص في ممارسة مهنة الهندسة ومع ذلك فقد رحبت وهللت نقابة المهندسين لذلك القرار "الحكيم" وهذا عكس أي فكر نقابي لدى تلك القيادات.

ـــ لقد تمكن صدام حسين من شراء ضمائر بعض الشيعة وبعض الأكراد حتى أن الحارس الشخصي لصدام حسين كان كردي يؤمن لصدام حسين فتيات أكراد لممارسة الجنس معهم. وقد عمد ابن صدام عُدي إلى محاولة اغتيال هذا الحارس القواد بأمرٍ من والدته زوجة صدام حسين.

ـــ لقد اشترى صدام حسين القيادات العسكرية والأمنية العليا بمنحهم ميزات كثيرة ومن أهمها منح كل مسؤول عسكري قطعت أرض بنى لهم فيها فيلا على شكل قصر صغير في منطقة قريبة من الطريق العام عند دخول بغداد وقد شاهدتها بإشارة من مهندس عراقي رافقنا من الحدود العراقية حتى فندق المريديان في بغداد. بينما كان وضع الجنود مأساوي.

ـــ بعد خروج صدام حسين من الكويت عمد صدام حسين لشراء كبار الموظفين من خلال منحهم معونات كبيرة كحصص تموينية تفوق حاجاتهم وأُسرهم فعمدوا لبيع الزيادات لباقي المواطنين بأسعار خيالية. بينما يعمد باقي فئات الشعب لبيع أثاث منازلهم لتأمين معيشتهم وهذا كان واضحاً في أسواق بغداد.

ـــ تشكَّلت عصابات كثيرة تقوم بالقتل والسرقات من بعد المغيب حتى الصبح على الرغم من منع التجوال من المساء حتى الصباح وقد كنت شاهداً على ذلك ففي عام 1995 عندما ذهبت إلى العراق عن طريق البر فقد حذرنا المرافق عدم التوقف من الحدود حتى قرب بغداد والمسافة تقارب 700 كيلو متر. وتمَّ توقيف سيارة أردنية فيها وفد نقابة المهندسين من المغرب العربي حيث سرقوا كل أمتعتهم وأموالهم وقد عوضت عنهم الحكومة العراقية بدفع مبلغ يزيد على مليون دينار عراقي لكل عضو بالوفد المغربي. وقد حاولت عصابة عراقية قتل عُدي ابن صدام قرب نقابة المهندسين وقد شاهدنا آثار الرصاص على جدران النقابة. وبهذه المناسبة عندما زرت العراق

في سنة 1976 كان الدينار العراقي يعادل 3 دولارات وأصبح في سنة 1995 الدولار يعادل 3000 دينار.

ـــ إن الشعب العراقي يكره صدام حسين لأبعد الحدود ويكره كل أقاربه وقد كنت شاهد عيان في سنة 1976 في مطعم مصيف الحبانية فقد دخل برزان أخ صدام حسين غير الشقيق وخلال عدة دقائق خرج جميع زوار المطعم وبقينا نحن الوفد السوري وبرزان وعدد من مرافقيه. أليس هذه دليل واضح على الكره المكبوت للشعب العراقي لحكم صدام حسين؟!.

ـــ قررت النقابات المهنية في العراق دعوة المنظمات العربية الأهلية للمشاركة في دعم العراق وذلك في سنة 1995 (إذا لم تخني الذاكرة) وقررت القيادة القطرية أن نسافر نقيب المحامين ورئيس اتحاد الصحفيين ورئيس اتحاد الكتاب العرب ونقيب المهندسين. قررنا السفر عن طريق البر وقدت السيارة شخصياً. قررت اللجنة المنظمة للمؤتمر أن أترأس إحدى الجلسات وبعدها سيحاضر بالمؤتمر طه ياسين رمضان. منعت الأمنيين من الدخول إلى القاعة لتنظيم القاعة حتى انتهاء الجلسة. عمد بعض اللاجئين السوريين توزيع مناشير ضد سورية مما شكَّل استفزازاً لنا أعضاء الوفد. وعمد طه ياسين رمضان لمهاجمة سورية وبسبب الموعد مع نائب رئيس مجلس الوزراء طارق عزيز بعد المحاضرة قررنا نقل انزعاجنا إلى السيد طارق عزيز ولهذا وفي أول فرصة تركنا قاعة المؤتمر وذهبنا إلى الاجتماع مع طارق عزيز. وقد أبلغنا انزعاجنا لطارق عزيز من تصرف بعض اللاجئين السوريين ومن طه ياسين رمضان. جواب طارق عزيز كان في مديح الرئيس حافظ الأسد ووصف طه ياسين رمضان بأنه غبي واعتذر عن تلك التصرفات ووعد بمحاسبة من وزع المنشورات من اللاجئين. وفي اليوم التالي اعتذر رئيس الجهة المنظمة للمؤتمر وأن من وزَّع المناشير نال نصيبه من الحساب.

هذا الملخص يوضح التالي:

ـــ معظم الشعب العراقي لم يكن مناصراً لصدام حسين. سنة وشيعة وأكراد وطبعاً المسيحيين.

ـــ الجيش العراقي ممسوك من قياداته بيد صدام حسين وعامة القيادات الوسطى والجنود كانوا يعانون من الظلم الذي لحق بهم من نظام صدام حسين.

ـــ لم أتمكن من معرفة قدرات العصابات المسلحة وما هو تكوينها المذهبي أو الطائفي ومن هي الجهة التي كانت ورائها. ولكن مع كل يوم وقبل الاحتلال تزايدت قوة هذه العصابات.

عمدت قوات الاحتلال الأميركي إلى تجاهل الوضع العراقي العام وتمَّ اتخاذ قرارات تزيد من العنف وفي مقدمتها اجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي العراق وحل الجيش العراقي مما أدى إلى توحيد هذه الجهات ضد الحكومات المتعاقبة في العراق وضد السلطة الاستعمارية وقد وقع المالكي في الفخ المنصوب له من المستعمر الأميركي. فتشكَّلت قوات معادية للمالكي بسبب الظلم الذي لحق بالبعثيين وعناصر الجيش العراقي.

ـــ في فترة الاحتلال الأميركي بدأت تفجيرات متبادلة في المناطق الشيعية والمناطق السنية وعندما تتزايد التفجيرات في منطقة على حساب منطقة أخرى تعمد السلطات الأميركية إلى تفخيخ سيارات باتجاه منطقة أخرى. أكد هذا الكلام بعض العراقيين الذين نزحوا من العراق إلى سورية من دون تحديد مذاهبهم.  

والصورة أصبحت على النحو التالي:

ــ جنود وقيادتهم شكلوا مجموعات من المقاتلين المدربين.

ـــ قوات بقيادة عزت الدوري من القيادات العسكرية التي تمتعت بميزات كثيرة أثناء حكم صدام حسين.

ـــ بعثيون مظلومون لجئوا إلى قوات عزت الدوري.

ـــ عصابات مسلحة تشكَّلت بعد خروج صدام حسين من الكويت. ليس لديَّ علم بمذاهب هذه العصابات وقد يكونوا هم من شكلوا العصابات التكفيرية داعش وأخواتها.

ـــ بعض زعماء العشائر التي تضررت مصالحهم من حكم المالكي الذي وقع في فخ الحكم من دون دراسة أسباب التفجيرات التي ظهرت أثناء السيطرة الأميركية ولم تنقطع بعد خروجهم.

وعلينا أن لا ننسى السرقات التي حدثت بعد دخول القوات الأميركية إلى العراق وخاصة سرقة الآثار العريقة من متاحف العراق وتدمير بعض المناطق الأثرية ولم يقوم بها الجيش الأميركي وإنما نفذها عراقيون تحت أنظار السلطة الاستعمارية الأميركية. هذا يتشابه مع ما قامت وتقوم به داعش في سورية وفي العراق.

ـــ لم تدخل القوات الأميركية إلى منطقة كردستان العراق مما يعطينا الحق بالاستفسار عن أسباب ذلك.

ـــ عانى البعث العراقي الكثير من المآسي على أيدي حكام صدام حسين وبعد ذلك من قِبل الحكومة العراقية.

إن الخيانة في احتلال الموصل كبيرة وجدية وقد ساهمت فيها السعودية وتركيا وقطر كما أوضحته تقارير وتصريحات قدمتها تلك السلطات علناً.

ـــ اليوم أصبحت داعش أغنى منظمة إرهابية والمطلوب وقفها وتدميرها.

من الضروري التأكيد على أن الحكومة العراقية لم تقف بشكْلٍ جدي مع سورية وكان تطلب من طائرات الركاب السورية العائدة من موسكو الهبوط في مطار العراق الدولي لفحص المواد المحمولة فيها. كما تتأخر أحياناً في منح تلك الطائرات أذن متابعة رحلة الذهاب إلى موسكو وقد حدث ذلك معي في نيسان 2013.

ـــ الحل اليوم بيد العراقيين ووحدتهم ونسيان أي أخطاء ارتكبتها الحكومة العراقية, وعلى الحكومة العراقية تصحيح بعض الأخطاء التي حدثت والعمل على تشْكيل لجان مصالحة وطنية لعودة لحمة الشعب العراقي ومنع تمزيقه بحروب طائفية تؤدي إلى تقسيم العراق إلى دويلات مذهبية وعرقية متناحرة. وهذا ما تريده إسرائيل لإعطائها شرعية الدولة اليهودية العنصرية النازية الجديدة بدعم مباشر من واشنطن.

كتبت مع بداية الشعارات الطائفية التي ظهرت في سورية بأن سورية ستنتصر على تلك الشعارات وفي الحرب على الإرهاب وأنني ألاحظ بوادر الحرب الطائفية في العراق سنداً للتفجيرات التي بدأت أبان السيطرة الأميركية واستمرت بعدها وإذا نجحت لا سمح الله في العراق فستنتقل إلى لبنان لمحاصرة سورية وإفشال انتصاراتها المتكررة على الرغم من تأكيدي بأن الربيع العربي اختنق في سورية.

 

syriadailynews


التعليقات