~~الدكتور المهندس محمد غسان طيارة

كانت واشنطن قد طلبت تدريب وفد الاتلاف الوطني القطري الذي سيحضر مؤتمر جنيف 2 (بدأت الدورة الأولى من مؤتمر جنيف 2 وانتهت من دون أي نتيجة وينطبق عليه المثل القائل: تيتي تيتي  مثل ما رحتي مثل ما جيتي, وطبعا حضور الوفد السوري كان بقرارٍ سياسيٍ ولمنع واشنطن من الاصطياد في الماء العكر وقد حقق الوفد نجاحات تكلمت عنها وسائل إعلام متعددة ومن بينها الصحف الغربية التي كانت تعادينا, وكنت قد بينت رأيي في مؤتمر جنيف 2 في مقالين سابقين على المؤتمر) على أسس التفاوض وتبرعت المانيا الاتحادية لتدريبهم. ومنعاً لأي لبُث أبين ما يلي:
ـــ أن من أهم مبادئ علم المفاوضات الأميركية التي تدرس في الجامعات الأميركية لطلاب العمل السياسي أو الاقتصادي أو الهندسي...تتلخص بالعمل على إنهاك الطرف المفاوض المقابل قبل طرح اي حل مما يساعد على قبول ذلك الطرف بأي حل ويتنازل عن بعض مبادئه.  
وهذا الكلام ليس من نسْج خيالي فقد اتبعت في سنة 1978 في جامعة جورج واشنطن دورة في أصول التفاوض لمدة أربعين يوما, وقُدِمت فيها حالات عملية لمفاوضات أميركية دولية في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك لتوضيح الرؤى الأميركية لكسب أية مفاوضات. (هذا لا يعني أنني بارع في التفاوض بسبب ضرورة تَوفُر عوامل أخرى بالإضافة إلى المعرفة العلمية).
وهذا يدل على أنه ليس من السهل على حكومة واشنطن التخلي عن خططها في التفوق وفرض الحلول في سورية أو في أي منطقة من العالم. وما يحدث في جنيف بإشراف السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد هو حالة تمرين عملي للسياسة ألأميركية في التفاوض.
ومع كل ذلك يطالعنا بعض المحللين السياسيين بتحليلات "عبقرية" غير واقعة تتقارب مع تخليل الأفكار السياسية بعيداً عن الواقع ولهذا كنت وما زلت أعارض كل أشكال التحليل السياسي وخاصة في هذه الظروف. والمحللون مستمرون في تحليلاتهم كما لو أنهم يديرون المعارك في المناطق الساخنة.
إن معظم المحللين السياسيين الذين احتلوا شاشات الفضائيات الوطنية والصديقة يخللون السياسية على طريقة الخيار المخلل الذي طعمه كمقبلات جيد ولكن الإكثار منه يؤدي إلى الغثيان. وآخر ما سمعته من أحدهم كان في مساء يوم 27 كانون الثاني 2014 عندما صرح المحلل "العبقري" بأن هناك اتفاق روسي اميركي على تبريد الأجواء في منطقتنا, وأكد بأنه لا يعرف مضامين هذا الاتفاق ولكن لديه أدلة على ذلك. وقال بأن من هذه الأدلة أن 80% من المعارضة أصبحت في صف روسيا الاتحادية, وأن أكثر من 40% من المعارضة أصبحت في صف إيران. وأضاف مؤكداً على توقعاته باستفساره عن موقع أردوغان الآن وأين أصبح أمير قطر وأين أصبح بندر بن سلطان...ويسبغ بعض المصطلحات الغريبة مثل إن رئيس الوفد السوري المفاوض وليد المعلم يمتلك "تمريناً سياسياً" بينما وفد الاتلاف الوطني القطري لا يمتلك مثل هذا التمرين, فالخبرة السياسية والإيمان بالمبادئ أصبح في عرف هذا المحلل العبقري تمرين سياسي. إنه كلام غريب ومصطلح مبهم.
وقبل سماعي تحليلاته قرأت في بعض الصحف وعلى لسان كيري, بأن الرئيس أوباما سيطلب من بوتين الضغط
على الأسد لعدم ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية للمرة الثانية, ولعل خلال النطق بتحليلاته "العبقرية" كان
الكونغرس الأميركي يصادق على قرار متابعة تزويد المجموعات المسلحة بأسلحة جديدة.
من حيث يدري صاحبنا المحلل السياسي أو من حيث لا يدري يضع القيادة الروسية وواشنطن في مستوى واحد
من حيث الإيمان بحق الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبل بلدانها واحترامهم للمواثيق والقرارات الدولية.
إن التوجه الروسي واضحٌ من كلمات قياداته وتتلخص فيما قاله لافروف بأنه لا حوار مع المجموعات الإرهابية, كما أوضح بوتين بأنه بذل جهوداً جبارة لعقد جنيف 2 وروسيا الاتحادية لا تدافع عن القيادة السورية وإنما تحمي القوانين الدولية في مكافحة الشعوب للإرهاب وإنه من حق الشعب السوري تقرير نظامه واختيار قيادته ولا يحق لأي جهة خارجية التدخل في الشأن السوري وتطالب الدول الداعمة للإرهاب والتي تقوم بتسليح المجموعات المسلحة التوقف عن ذلك. فهي تتفق مع واشنطن فقط في ضرورة عقد مؤتمر جنيف.
بينما يطالعنا محلل آخر يوصف واشنطن بالغباء وإنها مُرْبكة في تصرفاتها ليُعْطي لنفسه الفهم العميق لمواقف واشنطن "الغبية والمتهورة". وإذا كان عدونا الأصلي بهذا الغباء والتخبط فلماذا الأزمة مستمرة؟. والله إنه لأمر عجيب. أليس في هذا اتهام لتقصيرنا الوطني؟. دولة غبية ومتهورة ولم ننتصر بعد على هؤلاء الأغبياء.
روسيا الاتحادية تعلن على لسان وزير خارجيتها لافروف عن رفضها التفاوض مع المجموعات المسلحة, بينما أمريكا تقرر متابعة تسليحهم, ومع ذلك تفتقت عبقرية المحلل السياسي بأن هناك اتفاق بين واشنطن وموسكو على تبريد الحالة الساخنة في سورية وتفتق ذهنية أخرى عن غباء السياسية الأميركية. إن روسيا تريد تبريد المنطقة للوصول إلى حل سياسي بين السوريين, وواشنطن تعْمل على زيادة إشعال المنطقة فتستمر في تسليح الإرهابيين.
إن طريقة المحللين السياسيين تتشابه مع العجوز التي تقرأ الفنجان ومع الغجرية التي تقرأ الكف وترمي الودع....
واستناداً إلى مبدأ التفاوض الذي بينته في البداية لا بد من توجيه التساؤل التالي: هل تعتبر واشنطن أن القيادة السورية قد أنهكتها الأزمة وأصبحت قادرة على القبول بحلول وسط تفرضها واشنطن؟. وفي إجابتي كمواطن عربي سوري على هذه السؤال الافتراضي ولن أكون في موقع المحلل السياسي بل أجيب من قناعاتي: إن التنازل عن أي من المبادئ لصالح مجموعة الاتلاف الوطني القطري هو شكل من أشكال الخيانة الموصوفة وسوف أجد نفسي في موقع معارض بشدة فيما إذا كان أكثر المواطنين (لا سمح الله) يخالفونني في هذا الرأي. ولا اعتقد أن واشنطن وصلت إلى قناعة فرض شروط على سورية ولن تصل.
وعن الغباء الأميركي السياسي أتساءل: هل مرت واشنطن وتل أبيب بمثل هذه الفترة الزمنية الذهبية؟.هما مرتاحتان ومستفيدتان مما يجري في سورية. دمار كبير لحق بالاقتصاد السوري ودمار مخيف لحق بالبنية التحتية السورية. دمار مرعب لحق بالنفس البشرية السورية.
لم تتحمل واشنطن وتل أبيب أي نفقة ولم يسقط لهما أي شهيد لإحداث هذا الدمار, والعالم بأجمعه مهتم بما يجري في دول "الربيع العربي" المشتعلة وعلى وجه الخصوص بالجمهورية العربية السورية. وقد نسيَّ العالم وفي مقدمتهم الحكام العرب القضية الفلسطينية بينما سورية منشغلة في الحرب الأممية على أرضها فيصعب عليها تقديم الدعم المادي الكافي للفلسطينيين, وكل اهتمامات العالم تنْصب على ما يحدث في سورية والعراق ومصر...وفي نفس الوقت أبنية المستوطنات ترتفع حتى أصبح ما تبقى من الضفة الغربية لا يزيد على 20% وضاعت القدس. أن الوضع العربي مثالي لقضم ما تبقى من فلسطين المحتلة وإعلان يهودية دولتهم. يا لطيف قديش أمريكا غبية وإسرائيل حمقاء. يكفي تفسير أحلامكم المريضة فقد شبعنا تهوين للمسألة, فلا أمريكا غبية ولا
إسرائيل حمقاء بل هم يمارسون سياسة القهر والدمار ضدنا وبأموال عربية وقودها سوريون وعرب ومسلمون.
فكيف تكون روسية الاتحادية متوافقة مع السياسية الأميركية فيما يحدث في سورية وفي باقي دول ما سموه "الربيع العربي"؟. أنني لا استسيغ مثل هذه المقارنة فدولة تستخدم الفيتو ثلاثة مرات نقارنها مع دولة كل همّها
الأساسي تدمير سورية.! حرام والله حرام وفيه قلة وفاء. روسيا تتحدى العالم الغربي في دعم سورية يقابلها دعم أمريكي غير محدود لتدمير سورية. وبعد أقل من 24 ساعة من حديث المحلل العبقري يظهر محمد كمال اللبواني ليعلن بأن سفراء أمريكا وبعض الدول الغربية ضغطوا على الاتلاف الوطني القطري ليوافق على تقسيم سورية ولمعرفة رأي كل عضو إتلافي قطري ومنعاً من فشل التصويت جعلوه علنياً. (لا أريد تحليل ذلك التصريح لأن الخيانة متأصلة داخل نفوس أعضاء الاتلاف الوطني القطري). ولتحوير اهتمام روسية الاتحادية عن مساندة سورية خلقوا لها الأزمة في أُوكرانيا حيث تجد الوضع فيها فاشي بامتياز يتشابه مع حركة خوان المسلمين بل أعنف ويعلن المتظاهرون عدائهم لروسيا الاتحادية. ومع ذلك نجد محللينا السياسيين يخللون الحقائق ويتشاطرون في مقارناتهم. ولم يكتفِ المحللون السياسيون بشرح تنجيماتهم ووجهات نظرهم بل عمدوا إلى زرع النخيل في الهواء من دون تربة ويقررون أموراً غريبة عندما يتحدثون عن المعارك القائمة في المواقع الساخنة.
قالوا أن معركة الرقة ستنتهي خلال أيام أو أسابيع معدودة. وقالوا أن المعركة القادمة ستكون في حلب وبدأت في القصير, وبعد دخول العناصر الإرهابية مدينة عدرا العمالية قالوا جهابذة التحليل بأن تحرير مدينة عدرا لن يستغرق سوى عدة أيام. وبعد أن انتهت المدة عاد بعضهم لرشدهم وقالوا أن المجموعات المسلحة تتخذ من سكان مدينة عدرا العمالية دروعاً بشرية لمنع الجيش العربي السوري من تحرير المدينة.
ويعرف الداني والقاصي بأن التأخير في تحرير بعض المناطق المحاصرة يعود لوجود مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام المغرضة التي تعيش على تلفيق الأخبار عن ما يقوم به الجيش العربي السوري وتوجيه إليه سيل من الاتهامات عن مجازر وهمية ولهذا يحرص الجيش والقيادة السورية ان تكون عملياته العسكرية بعيدة عن أي شكلٍ من أشكال الإرهاب مهما كان صغيراً بالإضافة إلى حماية المدنيين الذين تتخذهم المجموعات المسلحة دروعاً بشرية. ويجب أن نعلم بأن وجود عشرة إرهابيين في أي منطقة يحتاج إلى مجموعة كبيرة من الجيش العربي السوري لمنعها من التمادي حفاظاً على أرواح المواطنين الأبرياء.
أما بالنسبة لمن يظهر على وسائل الإعلام المغرضة ويعرِّفون عن أنفسهم بأنهم محللون سياسيون معارضون فهم أبشع أنواع الدجالين والمنافقين والخونة وأسهل عمل يقومون به هو جعل الباطل حقيقة والحقيقة باطلاًَ ومع ذلك يحاولون الاستفادة من سقطات المحللين المؤيدين لسورية الوطن والشعب. 
اتمنى أن نتوقف عن التحليل السياسي وعن إذاعة أقوال بعيدة عن الواقع وأفضل توصيف للمحلل السياسي تظهر في قصة الراعي والذئب. كفانا تخليل للسياسية!.
إن المتابع لكلمة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم أمام مؤتمر جنيف 2 ولتصريحات أعضاء الوفد السوري في جنيف يستطيع معرفة حقيقة الموقفين لروسيا الاتحادية وللولايات المتحدة الأميركية وليس هناك من ضرورة للتحليل والتخليل وخاصة أن الوقائع واضحة.
لقد أوضحتُ التوجهات الروسية من خلال تصريحات القيادات الروسية ومواقف واشنطن من خلال تصريحات القيادة الأميركية من دون تحليل أو تخليل فهي واضحة قبل جنيف 2 وفي جنيف 2. وكفى الله المؤمنين القتال.

 


 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات