لنعترف صراحة أن معضلتنا وأساس بلاء بلدنا ليست مشكلات اقتصادية ولا اجتماعية ولا حتى ثقافية وسياسية، بل أخلاقية بحتة تتعلّق بالتعاطي مع الواجبات والحقوق التي يركنها الكثيرون على الرفّ لتنطلق الاجتهادات الشخصيّة الفردية والجماعية، ويصبح الاستثناء ثقافة عامة قوامها الارتكاب الأعمى الذي لم يوفر حتى الطفولة التي باتت أحد أخطر الملفات التي أفرزتها «وساخات» الأزمة!!.
دائماً ما يدفع الأطفال فاتورة صراعات الكبار ليتحوّل الضرس إلى ألم يضرب أطنابه في مستقبل جيل مكوّن من نحو (5) ملايين طفل فقدوا الحلم بين ركام الهدم وتحت خيم النزوح الداخلي والخارجي، يموت بعضهم جوعاً وتضيع حقوقهم مع سيلان لعاب دول الجوار على متاجرات دولية يكتنزون من خلالها منحاً ودعماً ومساعدات مباشرة ومادية وغير مباشرة تحت شعار التباكي على الطفولة السورية المسروقة والمستغلة جنسياً وجسدياً وألوان أخرى من عمالة وزواج مبكر.
اخترعوا من الطفولة «بائعة علكة» كما صنعوا ومازالوا بائعات هوى وبائعات أحلام بالنموذج الخليجي وبالصياغة التركية التي استغلت البراءة وتاجرت بالدم وانتهكت العفّة والأخلاق، نعم في شوارع عمان العاصمة هناك من يبعن البسكويت والعلكة، وفي بيروت بائعات دخان ومحارم كما هي حال الشارع في دمشق، ولكن الكارثة بذاك القدر من الدمار بحق الطفولة، والهدف العام إظهار الدولة على أنها عاجزة عن حماية أبنائها، وهذا ما يجعلنا في موضع التصدي وليس لطم الخد، إذ لا مجال للتحسّر بل للعمل الجاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أولاد الأزمة الضائعين!!.
هنا لطالما أشبعنا مسؤولو المنظمات والهيئات الطلابية والشبابية تنظيراً بخطابات جماهيرية حماسية جوفاء، لا تصنع مستقبلاً ولا تغني من جوع، لنكتشف لاحقاً أن خطيئة كبرى وقع بها الجيل الجديد الذي لم يلقَ التوظيف والاستثمار المطلوب الذي يضمن إنتاج صنّاع قرار وقادة مجتمع جدد.
والسؤال هنا: ماذا فعلت اتحادات الطلائع والشبيبة والطلبة ووزارات التربية والتعليم العالي لتصويب بوصلة الأطفال واليافعين والشباب؟ وماذا قدّمت تجنباً للوقوع في شرك العابثين فكرياً وتربوياً؟!.
ثمّة من يقول إن العبرة في هذا التوقيت ليس البحث عن إبداعات وهوايات صغيرة، بل معالجة الأطفال من آلام الأحداث وتوابعها الخطيرة ولاسيما أن معاناة تعيشها الأسر يومياً مع صغار باتت الصور والمشاهد والقصص المكرّرة وجبات يومية لطفل فاجأ أباه بسؤال.. بابا ماذا لو أصبحت مسلحاً؟.. وحتماً مهما كان شرح الوالد واعياً لن يغني عن الروضة والمدرسة والشارع والنوادي ودور التسلية وغيرها، لأن القادمات قد تحمل مفاجآت لا ينفع معها الندم آنذاك كما يحصل الآن بالحرف الواحد!.
علي بلال قاسم - البعث
2014-01-19 10:00:00