أثار التوجّه القائل بتقنين عمليات الاستيراد وإعادة تنظيمها ردود أفعال متباينة لا تخلو من المفارقات أحياناً، ولا سيما عند مَن يتربّصون بأداء الحكومة منصّبين أنفسهم تجاراً أوفياء يتنافسون لتزويد السوق المحلية باحتياجاتها من المواد الأساسية والسلع الضرورية، ومع أن العشم بالفعاليات الاقتصادية أن تكون كذلك، إلا أن الوقائع لا تعطي مؤشرات إيجابية بهذا الخصوص!.
حاول الكثيرون تسويق إجراءات الترشيد على أنها تخبّط رسمي في اتخاذ القرارات اللازمة في زمن من المفترض فيه إعطاء صاحب القرار هامشاً من الخطأ لأننا ببساطة في حالة اقتصاد الحرب وليس الاستقرار، مع تأكيد عدم تبرير هفوات القرارات وأخطاء المسؤولين، ولكن أمام انحسار دور رجال الأعمال وإدارة ظهورهم لواجباتهم الوطنية وافتضاح مَن هم في الخارج عبر تسريبات مصرفية موثقة، تبدو الصورة مقلوبة وبالتالي من غير المقبول أن يخرج علينا مَن بيته من زجاج ليرمي الترشيد بحجارة المفاهيم الخاطئة والاتهامات الباطلة.
ربما لا تكون السلطة التنفيذية وبالنيابة عنها وزارة الاقتصاد لجهة ملف الاستيراد والتصدير في محل الكفاءة الكاملة في الأداء، فكل مَن يعمل يخطئ، والقانطون دائماً أبرياء من الخطأ لأنهم لا يعملون فقط لا غير، ولكن لا يمكن تمرير النيات والأهداف المصلحية لمن يلهث على الاستيراد ولاسيما أن وزير الاقتصاد نفسه أكد أن فاتورة تمويل الاستيراد تكلف البنك المركزي يومياً 2 مليون يورو توزع لشراء السلع الأساسية للقطاع الخاص وليس لغيره من القطاعات الحكومية، فكيف لمَن يدّعي بخل الدولة أن يقول: إن الحكومة قطعت حنفية التمويل بحجّة الترشيد وهي التي لم توفر قرشاً في دعم توريد المواد إلى البلد رغم كل فصول المقاطعة والحصار والتجويع خلال أكثر من سنتين "ليتحنن" ويشفق علينا بعض البنوك الأوروبية ويفكّ الجليد عن أرصدة ليتم توظيفها لشراء القمح والطحين والمشتقات النفطية؟.
هنا ثمّة من يسأل: ماذا يريد التجار مثلاً؟ هل يريدون أن يشرّع المركزي أبوابه للمستوردين وأشباههم وصغار التجار والمتاجرين لينهبوا الأرصدة من القطع الأجنبي بذريعة تزويد السوق بحاجاته وهم الذين لم يتركوا فرصة إلا وتطاولوا فيها على أموال المصارف من خلال قروض غير مسدّدة واصطياد العقود والمناقصات الدسمة من الدولة لنهب المال العام بشراكات وسخة مع أرباب الدولة؟.
في العموم الترشيد يعني استيراد الأولويات وليس الكماليات، والترشيد لا يعني المنع فحسب وزير الاقتصاد الإجازات سارية المفعول، أما الثقة بمَن أكل البيضة وجاء اليوم ليستكمل ملفّه المشبوه بالتهام التقشيرة على اعتبار أن البلد مأزوم والدولة عليلة، فقد انقطعت مع موجات فضائح رجال أعمالنا "المحترمين" الذين يريدون الاستحواذ على القطع لتفريغ الاقتصاد من عموده الفقري والتلاعب بقوت الناس، والصيحة التي يطلقها كل مواطن: لا تسلّموا رقابنا لمن خان خبز البلد وملحه؟.
علي بلال قاسم - البعث
2013-12-16 15:02:30