في الحدائق نزل الناس الذين يسكنون في القرب منها إلى المروج البيضاء، وحملوا كاميراتهم وبرادات القهوة والشاي، قالوا إن اليوم عطلة، والأطفال لم يخرجوا من المنزل منذ وقت بعيد، لذلك فنحن اليوم قررنا أن نصنع سيراننا على طريقتنا الخاصة.. في حديقة المزرعة حضر الأطفال من كل الأعمار ليلعبوا في هذا الطقس البارد، وكانت المراجيح تهتز ويتناثر معها الثلج المتراكم على الحبال وقضبان الحديد... الكل يريد تسجيل تاريخ السنة مع نهر البياض الكبير هذا الذي أخذ يعيد رسم المدينة بشكل جديد يبعث على الأمل... تقول أم محمد، إنها قدمت مع أطفالها الثلاثة إلى الحديقة من أجل أن تسجل في ذاكرة طفولتهم هذا المشهد بقوة مع الصور وتسجيل المواقف الطريفة التي لن ينسوها بالتأكيد، قالت إنه من الممكن ألا يأتي الثلج ثانية إلا بعد عدة سنوات، لذلك فإن ابني في الصف الأول سيتذكر هذه اللحظات جيداً، دعهم يلعبون بالثلج بأيديهم ويلمسونه عن قرب فتلك النقطة تشكل أيضاً خبرة في التعامل مع الحياة واكتشافاً جديداً سيغني مخيلتهم وحكاياتهم الكثيرة التي ستنشأ جراء هذه الزيارة..
بائع الفول النابت لم يتوقف كعادته عن بيع صحونه الساخنة، رغم أنه تأخر في المجيء إلى مكانه المعتاد جراء تراكم الثلج في الطريق، لكنه يقول إنه كان متأكداً أن الناس سوف تنزل وتلعب بالثلج وتشتري منه الفول كي تشعر بالدفء..
أيضاً، عند الطريق الفرعي الذي تقف في السيارات المكللة بالثلج بشكل كبير، حضرت مجموعة من الصبايا والشباب كي يتقاذفوا أحلامهم البيضاء ويضحكون بشكل عالٍ وهم ينفضون الثلج المتراكم على رؤوسهم وثيابهم أو عندما يتزحلقون عن غير قصد وهم يهربون من ضربات بعضهم بكرات الثلج!.
طفلة صغيرة اعتلت سيارة كي تحصل على أكبر كمية من الثلج الناصع والنظيف، فقد وجدته أنظف من ذاك المتراكم على الأرض، وبينما كان طفل على الأرض يحاول النيل منها بكرة ثلج محكمة، كانت تضحك بصوت عال وهي تعيد ترتيب طاقيتها على رأسها وتصر على رد الصاع صاعين.. ضحكات مر زمن طويل لم نسمعها في الشوارع، فأبجديات الثلج كانت قادرة هذه المرة على تغيير معادلة الكآبة بحيث أن الأهالي لم يخشوا على أطفالهم من النزول واللعب.. إنها فرصة للذاكرة والمخيلة تؤكد إمكانية تحطيم اعتياد الحزن بقبضات من البياض التي يقذفونها في الجو..
الملفت أن العديد من المسنين شاؤوا الخروج في الثلج رغم المخاطر التي تحدق بهم جراء احتمالات التزحلق على الأرض، قالوا إنهم وبسبب تقدمهم في العمر، ربما لا يشاهدون الثلج مرة أخرى في حياتهم، لذلك فإن إرواء العين والقلب من هذا البياض الشهي لن يفوتوه هذه المرة، فمن يدري كيف يمضي بهم العمر.. إحدى العجائز تحدثت عن ذكرياتها مع الثلوج القديمة التي شهدتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، وقالت إن الإنسان يتذكر هذه اللحظات بشكل كبير كأنها محفورة في ذاكرته، لذلك فإن معانقة الثلج واللعب مع الأطفال يعني أنهم لن ينسوا حضورنا أبداً، هكذا حصل معنا يوم كنا أطفالاً، واليوم نفعل الشيء نفسه مع أطفالنا لنكتب ذاكرتهم بحضورنا كي لا نغيب عن مخيلتهم أبداً..
الله يبعث الخير.. يقول السمان وهو يقف أمام باب المحل مراقباً سعادة البشر وهم يلقون التحيات على بعضهم بكرات الثلج والضحكات والتمنيات بقدوم الخير والانفراج... يقول السمان إنه لم يفتح محله اليوم من أجل البيع بل من أجل مشاهدة الناس وهي تتلقى هذه النعمة الوفيرة من السماء، «يا أخي الإنسان يشعر بالتفاؤل..» يقول أبو محمد صاحب البقالية، وهو يتحدث عن الثلوج التي هطلت في أوائل التسعينيات حيث يحتفظ بصورها حتى اليوم..

النهضة - سيرياديلي نيوز


التعليقات