ليس من السهل أن تطلب من موظف عام أن يتحدث لك عن مشكلة فساد رآها أو سمع عنها، وفي مرات كثيرة نجد أنّ الموظف، بعدما تجرأ وتحدث عن فساد ما، يتبع قوله بعبارة: "دون ذكر أسماء"، أو يتراجع عن جميع أقواله ويطلب عدم المتابعة في الكلام، أو نسيان ما تحدّث عنه خوفاً على لقمة عيشه.

 

إذاً، الخوف لا يزال يحكم عقلياتنا، في كثير من الأحوال، عدا بعض الاستثناءات التي يدفع أصحابها الجسورون ثمناً لجرأتهم، وقد يكون ثمنها خسارة الوظيفة، وفي المقابل يبقى الفاسد في منصبه، ويستمر في ما يقوم به دون رقيب أو حسيب، حتى إننا، في مرات كثيرة، رأينا من كان هناك بعض إشارات الاستفهام على أعمالهم، وقد أعفوا من مناصبهم، وانتقلوا إلى مناصب أعلى، مع أن مظاهر الفساد واضحة، ويمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولا تحتاج، في كثير من الحالات، إلى بحث وتدقيق.

 

ويرى بعضهم أنّ المناصب، التي يتسلمونها، أو الصفة التي يمثلونها، تساعدهم على القيام بدور المراقب للفاسدين، وتجعلهم أكثر جرأة على التعبير وطرح المشكلات، وهذا الأمر نراه من قبل رؤساء النقابات، الذين يعتبرون أنّ الدور الأساسي لهم هو الدفاع عن الطبقة الشعبية التي انتخبتهم، والفساد هو أحد المظاهر التي تضر بمصلحة هؤلاء، وبالتالي لا مانع لديهم من توجيه النقد إلى أيّ مسؤول، ابتداءً من رئيس الحكومة، وصولاً إلى أيّ موظف في أي منصب.

 

بعد الإعفاء منصب أعلى!

تستمدّ المنظمات الشعبية والنقابات قوّتها من الفئة المنتخبة لها، وهذا ما يشجعها على القيام بدورها أكثر من غيرها.

وفي هذا الإطار، يقول رئيس نقابة عمال المصارف والتأمين، حسام منصور، إنّهم، كرؤساء نقابات، جاؤوا إلى أماكن عملهم عن طريق الانتخاب، كما أنّ من صميم قانون التنظيم النقابي القيام بدور الرقابة الشعبية، ما يعني كشف الفساد والإشارة إلى أماكن الخلل مهما كان من قام بهذا الفساد، فلا خوف من قول الحقيقة، وطالما أنّ اختيارنا جاء من قبل عمالنا سنقوم بواجبنا، مهما كانت النتائج، ونحن، في كثير من الحالات التي أشرنا فيها إلى مواقع الفساد، تم الأخذ برأينا، لكن ما يطلب منّا، أحياناً، توثيق الفساد، وهذا الأمر صعب، لكن للفاسد علامات تظهر عليه، فعندما يكون لدينا موظف في دائرة صغيرة، ثمّ نراه، بعد فترة من الزمن، وقد أصبح من أصحاب الأملاك، فعلينا أن نسأله من أين لك هذا، وكثيرون هم المفسدون الذين استغلوا الأزمة الحالية، حيث قام عدد من محطات الوقود والأفران في المناطق الساخنة، خلال الفترة الماضية، باستجرار المواد وهي مغلقة، وفي حوادث أخرى، اكتشفنا وجود طحين فاسد، ومن الأمور الأخرى، التي تجعلنا نتساءل، عندما تتوافر مادة المازوت في السوق السوداء بينما هي مفقودة داخل المحطات.

 

ويضيف منصور، في هذا المجال نسأل، أيضاً، عندما يُعفى مدير ما من منصبه على خلفية قضية معينة دون توضيح أسباب هذا الإعفاء للرأي العام، لكنّ ما نراه أنّ بعض الأشخاص يتمّ إعفاؤهم من مناصبهم، ثمّ نجدهم في مناصب أخرى، وبمراتب أعلى بعد فترة زمنية، لذلك نحن، كمسؤولي نقابات، لا نيأس من الإشارة إلى مواقع الفساد، ونعلن عنها كلّما سنحت الفرصة لذلك، لأنه واجبنا، وهذا الأمر نعبّر عنه في مؤتمراتنا واجتماعاتنا، ولا نستثني أيّ أحد، ابتداءً من رئيس الحكومة، وصولاً إلى أيّ مدير عام، ونقوم بذلك دون أيّ خجل أو خوف.

 

الخوف على لقمة العيش

عضو مجلس الشعب عمار بكداش يرى، من جانبه، أنّ أحد أدوار مجلس الشعب الأساسية مكافحة الفساد، الذي يؤدي إلى نهب الدولة والشعب، وهذا يتطلب توسيع الحريات الديمقراطية لتشمل كافة نواحي الحياة، وبالدرجة الأولى حرية التعبير، وزيادة دور المنظمات في الرقابة على جهاز الدولة. أما فيما يتعلق بقيام موظّف ما في الدولة بالإشارة إلى أماكن خلل أو فساد، ففي الدول المتقدمة هناك آلية معينة تنظم هذا الأمر، وذلك من خلال وجود لجنة يمكن اللجوء إليها حسب الأصول الإدارية، وعبر خطوات معينة. أما بالنسبة إلينا، فلا يزال الخوف يحكمنا، ويمكننا أن نجد من يبلغ عن أيّ حالة فساد، لكنه دائماً يفضّل عدم ذكر الأسماء، وهذا الأمر خلق بطريقة متوارثة، فكل شخص يخاف على مصلحته الشخصية ولقمة عيشه، وفي مثل الظروف الصعبة التي نمر بها، يكون الحل الأفضل لمكافحة الفساد توسيع رقابة المجتمع، ومن المعروف أن أيّ مكان تكون فيه حرية الصحافة موسعة يصبح من الصعوبة وجود مظاهر فساد خوفاً من ردّة فعل الرأي العام.

 

ويضيف بكداش نحن ـ كمجلس شعب ـ نقوم دوماً بواجبنا في مجال الإشارة إلى أماكن الفساد والخلل، لكن ذلك لم يظهر إلى العلن بسبب التعتيم الاعلامي على عمل مجلس الشعب، وفي حالات معينة، عندما نجد كأعضاء مجلس شعب، وفي مواضيع معينة، أنه لا بد من اتخاذ إجراء معيّن، عندها نقوم بتشكيل لجان مختصة، أو لجان بحث، ليس في مظاهر الفساد فقط، بل في جميع الأمور المتعلقة بالمصلحة العامة، وهذا ما قمنا به عندما أرادت جهات معينة إعطاء "أوابد معينة" وطرحها للاستثمار الخاص، وهذا أمر عارضناه بشدة، لكنّ رأينا لم يسمع، وتم إعطاء هذه الأوابد للاستثمار الخاص.

 

 

يوضح بكداش، فيما يتعلق بالأزمات المتعددة التي مررنا بها، عندما نواجه شحّاً في بعض المواد، ويظهر دور للمتلاعبين في ذلك ليجنوا الأرباح، هذه الفئة من الأشخاص يجب أن يجري التعامل معها بقسوة شديدة، وما قلته تحت قبة مجلس الشعب أن القسوة على المحتكرين هي رحمة للشعب، وهنا يأتي دور أساسي للجهاز التفيذي لإتمام هذه المهمة.

 

Syriadailynews - Baladna


التعليقات