حركة غير منطقيّة في سوق السيارات السوري... وتجّار لبنانيّون يشترون منّا ويبيعون في بلادهم

مطّلعون على السوق: من يتحكّم في الأسعار مجموعة من المتطفلين

 

كان الحصول على سيارة في سورية نوعاً من الرخاء والرفاهية في فترة ما قبل الأزمة، وفي المرحلة اللاحقة، عندما بدأت الأزمة، حافظت أسعار السيارات على استقرارها إلى حدٍّ ما، حتى إن الكثيرين من السوريين اتّجهوا نحو بيع سياراتهم خوفاً من فقدانها لسبب من الأسباب.

 

أمّا، بداية العام الحالي، فاختلفت الأوضاع، وبدأنا نسمع عن حصول ارتفاع كبير في أسعار السيارات، ليتبيّن لاحقاً أنّ هناك مجموعة من التجار تتحكّم في سوق السيارات، من خلال عمليات البيع والشراء، مستغلين عدم استقرار سعر الصرف من جهة، وعدم وجود وكالات لهذه السيارات من جهة أخرى، ما يتيح لهم فرض السعر الذي يريدونه، وهم عبارة عن دائرة يتحرّكون ضمنها فيما يشبه نوعاً من الاحتكار للسيارات، كما لجأ بعضهم إلى تخزين السيارات في مواقف الأبنية، أو في المواقف العمومية، في انتظار استقرار الأوضاع حتى يعاودوا بيعها بأسعار مرتفعة.

ومن بين الأمور، التي تجري أيضاً، قيام تجار لبنانيين بشراء سيارات من سورية، وإخراجها بشكل نظاميّ ليقوموا فيما بعد بإعطائها أرقاماً لبنانية وبيعها، وتحقيق أرباح عالية؛ لأنّه مع انخفاض قيمة العملة السورية أصبحت السيارات في سورية أرخص من مثيلاتها في الدول المجاورة، على عكس ما كان عليه الحال في السابق.

وبالتالي، فإنّ حركة سوق السيارات نشطة فيما يتعلق بحركة الشراء التجارية التي حققت أرباحاً كبيرة لبعضهم، وهم، في معظمهم، ليسوا تجار سيارات إنّما كانوا يعملون في مهن أخرى، لكنّها، من جهة أخرى، أدّت إلى خسارة التجارالحقيقيين.

 

تخزين سيارات

مصدر مطّلع على أوضاع سوق السيارات يقول: السيارات تباع وتشترى ضمن دائرة واحدة، وبأرقام موحدة من قبل من كانوا سماسرة سابقاً وتحوّلوا، اليوم، إلى تجار سيارات، وقد تحوّلت عملية بيع وشراء السيارات إلى تجارة احتكار، وهي تجارة رابحة بكلّ معنى الكلمة، وتعتبر أفضل من تجارة العقارات، وما دفع الكثيرين إلى شراء السيارات، في الوقت الحالي، أنّ سعرها سيرتفع في حال عادت وكالات السيارات إلى العمل من جديد، فالسيارة المرسيدس، على سبيل المثال، سعرها، اليوم، ما يقارب 7 ملايين ليرة، وفي حال عادت الوكالة لتعمل سيرتفع سعرها إلى الضعف.

والناحية الأخرى، التي يشار إليها أنّ هناك مجموعة من التجار اللبنانيين الذين يقومون بشراء السيارات من سورية، وإخراجها بشكل نظامي من سورية إلى لبنان، واستبدال لوحات لبنانية بلوحاتها، وتحقيق أرباح مضاعفة في سعرها.

والمفارقة التي حصلت أنّه مع بداية الأزمة كانت السيارات الكبيرة تباع بأرخص الأثمان، حيث اتّجه أصحابها إلى بيعها خوفاً من خسارتها. أما مع بداية العام 2013، فقد عادت أسعار السيارات إلى الارتفاع، وأصبح العرض أقلّ من الطلب، ومؤخراً لجأ من يقومون بشراء السيارات إلى تكديسها وتخزينها، وهناك عدد كبير من السيارات قام أصحابها باستئجار كراجات الأبنية ليضعوها داخلها في مناطق محدّدة في دمشق، وهي، في معظمها، من السيارات الفخمة، كما أنها موجودة في الكراجات العمومية، ومن يرغب في شراء أيّ سيارة محاصر بالانتقاء بين عدد محدّد؛ لأنّه في الأساس لا توجد سيارات إنّما تنتقل من شخص إلى آخر، ومن اشترى هذه السيارات استغل عدم توافر عدد كبير من السيارات.

 

¶ أسعار السيارات هنا أرخص منها في دول الجوار

يشير أحد التجار المطلعين على وضع أسواق السيارات إلى أنّ ما يتحكم في السوق حالة العرض والطلب، وما حصل من ارتفاع في الأسعار بسبب الدولار، والتغير الحاصل في سعر الصرف، وهناك فئة أصبحت تتحكم في أسعار السيارات، وهي تستغل الوضع لعدم وجود وكالات لبيع السيارات، كما كان في وقت سابق، ولكن بالعموم، مهما احتكر جزء من التجار عدداً من السيارات، هم لا يستطيعون شراء أكثر من 10 سيارات؛ لأنّهم لا يملكون مكاناً للاحتفاظ بها في مناطق آمنة؛ لأنّ المستودعات غير متوافرة، وبالتالي أيّ تاجر يملك رأسمال غير كبير يقوم بشراء 6 أو 7 سيارات، ويضع هامش ربح كبيراً لاستغلال وضع مَن هم بحاجة إلى شراء سيارات. أما من يشتري أيّ سيارة من صاحب العلاقة مباشرة، فهو مستفيد لأنّه لا يتعرّض لاستغلال التجار، ورغم كلّ ذلك تعتبر أسعار السيارات في سورية رخيصة جداً إذا ما قارناها بأسعار السيارات في الدول المجاورة؛ لبنان، على سبيل المثال، والسبب الآخر عدم وجود وكالات لهذه السيارات، إضافة إلى ضعف قوة العملة، وضعف السوق، ما جعل أسعارالسيارات رخيصة بالنسبة إلى سعر الدولار.

ويتوقّع التاجر أنه عندما تتحسّن الأوضاع سيصبح بيع السيارات بالدولار، كما أنّ الأسعار سترتفع بشكل كبير، وهو يَعتبر ارتفاعها، في الوقت الحالي، آنياً، وقد دخل للعمل في سوق تجارة السيارات كلّ شخص لا علاقة له بهذه المهنة بسبب تراجع الأعمال الأخرى، أو توقف المعامل عن العمل.

 

¶ ليسوا تجاراً بل هم متطفلون

أحد المسؤولين في إحدى شركات السيارات (فضّل عدم ذكر اسمه)، قال إنّ من يتحكّم، حالياً، في سوق السيارات المستعملة، يتحكم فيها نظراً إلى توقف عمليات استيراد السيارات منذ فترة، ولأسباب عدة، منها أن استيراد السيارات من الخارج يحتاج إلى مناخ آمن، وتوافر عوامل أخرى، منها وجود تقسيط لأسعار السيارات، وإمكانية تقديم عروض أسعار، إضافة إلى سعر الدولار الذي يجب أن يكون ثابتاً، يضاف إليه موضوع النقل، والقدرة على توزيع السيارات بين محافظات القطر، والعودة إلى موضوع استيراد السيارات يحتاج إلى عودة الاستقرار الاقتصادي وزوال العقوبات.

حالياً مَن يتحكّم في سوق السيارات بالطريقة الحاصلة من عمليات بيع وشراء غير منطقيّة، مجموعة من التجار الذين قاموا بالاتفاق فيما بينهم على تحريك سوق السيارات بطريقة معيّنة أدّت إلى ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني، وهم قاموا بهذا الأمر من تلقاء أنفسهم دون وجود أيّ مبرّر لذلك، ويشبه عملهم هذا ما حصل بالنسبة إلى تجار العملة في فترة سابقة، حيث ارتفع سعر الصرف نتيجة المضاربات التي حصلت في الأسواق، ثمّ قامت الدولة من بعد ذلك بمكافحتهم.

 

وما يسوغ عدم وجود مبرّر لارتفاع أسعار السيارات، أن هذه السيارات بالأساس سيارات مستعملة، وقيمتها مدفوعة في وقت سابق، وحسب سعر الصرف المنطقي، قبل أن يرتفع خلال الأزمة، وبالتالي لا علاقة مطلقاً لسعر الدولار بأيّ ارتفاع في أسعار السيارات، إنما قام من يسمّون أنفسهم بالتجار بالاتفاق فيما بينهم على رفع الأسعار بشكل يستطيعون من خلاله استغلال حاجة بعض الناس إلى شراء سيارات بأسعار غير منطقية، ما يأخذ شكلاً من أشكال الاحتكار، فبعض السيارات، التي كان سعرها في السابق 700 ألف، تباع اليوم بسعر مليوني ليرة سورية، لذلك لا بدّ من تدخل الدولة في هذا الموضوع بشكل قانوني تماماً، كما فعلت مع تجار العملة؛ لأنّ هذه العملية من بيع السيارات المستعملة بأسعار عالية جداً تؤدّي إلى ضررٍ اقتصاديّ كونه يتسبّب في سحب السيولة من أيدي الناس، كما ينجم عنه فقدان المدّخرات لمن ما زال يملك مدخرات عند استغلال حاجته إلى شراء سيارة، فيضطرّ إلى دفع سعرها أضعافاً مضاعفة بالنسبة إلى سعرها الحقيقي بزيادة غير منطقية.

ويضيف المسؤول في شركة السيارات أنّ تدخل الدولة يمكن أن يكون من خلال ضابطة تموينية تحرّك نحو مكاتب بيع السيارات الموجودة، وتجبر هؤلاء التجار على إعادة الأسعار إلى سعرها الأصلي، حيث تفرض عليهم مخالفات حتى يتخلّص السوق من هؤلاء المتطفلين، أو من يمكن تسميتهم (الكموسيونجية)، الذين قسم كبير منهم لا يعمل أصلاً في تجارة بيع وشراء السيارات، إنّما استغلّ الوضع لتحقيق أرباح تصل إلى الملايين في حالات كثيرة، خاصة أنّ الطريق أمامهم مفتوحة لعدم وجود رادع.

وبذلك أصبح المواطن السوري يدفع الملايين ثمناً لسيارة، في وقت من الصعب جداً فيه استجرار قطع تبديل لهذه السيارات، والقطع، في كثير من الحالات، غير متوافرة، كذكلك الخدمة التي كانت تقدّم من وكالات السيارات غير متاحة في هذه الحالات، وما يحصل هو استغلال لحاجات الناس، وسحب المدخرات الباقية لديهم تماماً كما فعل تجار العقارات حينما استفادوا من الأزمة برفع الأسعار واضطرار الناس إلى الشراء.

 

¶ تاجر خارج الأزمة

تاجر آخر فضّل عدم ذكر اسمه، يقول: أنا أعمل بطريقة التاجر الحقيقي، ولا يمتّ عملي بصلة إلى الممارسات التي تجري في السوق في الوقت الحالي، وعندما يأتي إليّ الزبون أقدّم له سعراً منطقياً وعادلاً حتى إنّ أسعار السيارات، التي أعرضها لزبون، تقارب أسعار السيارات بما كانت عليه قبل الأزمة، ومن يتحكّم في سوق السيارات، في الوقت الحالي، عبارة عن مجموعة من التجار قاموا بشراء أربع أو خمس سيارات يتاجرون بها، وبالتالي هناك طرفان يتعلقان بهذه المسالة؛ الأول هو المواطن الذي لا يملك الخبرة غالباً، وبالتالي يتعرض للاستغلال من قبل هؤلاء التجار، والطرف الآخر هم فئة التجار الجشعين.

 

¶ تجار خسروا

يصف تجار سوق السيارات الحقيقيون وضع السوق، في الوقت الحالي، بغير الطبيعي، لأنّ ما يحصل من عمليات بيع وشراء يجعل التجار الأساسيين في سوق السيارات يتعرّضون للخسارة حتى أصبحوا غير قادرين على البيع والشراء.

هذا ما يؤكّده صاحب مكتب السيارات فادي الشاويش، قائلاً، إنّه تعرض لخسارةٍ، نتيجة مفاجأته بما يحصل في السوق، وصلت إلى حدود 150 ألف ليرة سورية في كلّ سيارة.

 ويضيف الشاويش، بعد أن قمنا بعدة عمليات بيع وشراء، توجهنا إلى السوق وفوجئنا بالمتغيّرات الحاصلة، ويمكن ربط أحد هذه الأسباب بموضوع تغير سعر الصرف؛ لأن سوق السيارات في سورية استمر لفترات طويلة، وقد حافظت فيه السيارات على أسعارها دون أي تغيير يذكر إلى أن حصلت حركة مفاجئة داخل الأسواق، وتحولت إلى عمليات بيع بأسعار غير منطقية، ولم تعد الأسواق منضبطة، وبالتالي أدى هذا الأمر إلى حصول خسارات كبيرة لبعضهم، فالسيارة التي كان سعرها ما بين 600-700 ألف تباع اليوم بسعر يقارب المليون و300 ألف، والسيارات الصينية التي كان سعرها لا يتجاوز 300 ألف ليرة سورية لا تباع، في الوقت الحالي، بسعر أقل من 700 ألف، وهناك سيارات أسعارها تصل إلى أضعاف قيمتها الحقيقية، هذا الأمر خلق خللاً في حركة الأسواق.

ويضيف، لديّ اليوم ثماني سيارات، وعندما أسأل في سوق السيارات عن أسعار لهذه السيارات قابلة للمنافسة، لا أجد، لذلك نحن نخسر في بضاعتنا في ظلّ عدم استقرار السوق، بعد أن كان السوق في حالة ثبات لوقت طويل جداً، ثم فجأة اتجهت أسعار السيارت نحو ارتفاع كبير، وهذا الحال أدى إلى تضرر التجار الحقيقيين في السوق؛ لأنّهم أصبحوا غير قادرين على تشغيل أسواقهم والاستيراد وإدخال السيارات؛ أي توقّفت أعمالهم، ومن آثار ذلك أنّ الأسواق انعدمت الحركة فيها؛ لأن بعضهم لا يملك قدرة شرائية، وفي الظرف الحالي، من يملك مبلغ 600 أو 700 ألف ليس بإمكانه شراء سيارة على عكس ما كان يحصل في السابق.

وفي رأي الشاويش، حلّ هذه المسالة ربّما غير موجود حتى من خلال الدولة، على عكس ما يعتقد بعضهم، إذ كيف يمكن للدولة أن تتدخّل في هذا الموضوع؟ هل ستقوم بافتتاح سوق للسيارات وإجراء عمليات البيع والشراء، مشيراً إلى أنّ النشاط في بيع وشراء السيارات يتمثّل في قوة حركة الشراء التجارية؛ أي بين عدد من التجار أنفسهم دون غيرهم.

 

¶ استغلال التجار

يتّجه السوريون إلى شراء السيارات لأسباب عدة، ومن ضمن من يحتاج إلى اقتناء سيارة فئة الذين تعرّضت سياراتهم للسرقة، وهذا ما يوضحه موظف في إحدى الشركات، فبعد أن سرقت سيارته فكّر في التوجه إلى سوق السيارات لشراء سيارة مستعملة بدل التي سرقت منه، وعند المقارنة بين الأسعار، اتضح أنّ أسعار بعض الأنواع من السيارات ارتفعت إلى الضعف، وعلى سبيل المثال، سيارة من نوع فاخر كان سعرها قبل الأزمة حوالي أربعة ملايين ونصف، أما مع الأسعار الحالية، فلا تباع سيارة من هذا النوع بأقل من سبعة ملايين ليرة وأكثر في بعض الحالات، مع أنه قبل شهر من الآن كانت الأسعار منطقية جداً، وعلى الأغلب التجار يقيّمون أسعارهم بناء على سعر الدولار، ويضعون هوامش كبيرة للربح غير منطقية، وعلى الأعلب أيضاً ما يجري هو طفرة في أسعار بيع السيارات، سيتلوها بالطبع تدخل من قبل الدولة، خاصة أنّ هناك شائعات تقول بأنه سيتم تعويض الأشخاص الذين تضرّرت سياراتهم، كما أنّه من المتوقع أن يجري السماح باستيراد السيارات المستعملة.

Syriadailynews - بلدنا


التعليقات