تصادف الاربعاء ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت مسار التاريخ العالمي وورطت الولايات المتحدة الامريكية، في حروب في الشرق الاوسط ادت الى افلاسها ماليا واخلاقيا، وهزت صورتها، والحقت هزائم بقواتها ما زالت تعاني من آثارها.

مجلة الايكونوميست البريطانية العريقة قالت ما معناه في افتتاحية لها تعليقا على هذه الهجمات في حينها ان الولايات المتحدة وحلفاءها تعودوا ان يعتدوا على دول عربية واسلامية، ولكنها المرة الاولى التي ترد شعوب هذه الدول على هذا العدوان في قلب عاصمتها المالية (نيويورك).

الرئيس الامريكي جورج بوش استخدم هذه الهجمات التي ادت الى مقتل ما يقرب من اربعة آلاف امريكي، لاعلان الحرب على الارهاب وارسل قاذفات من طراز 52 B العملاقة، من قواعد جوية متعددة في العالم، من اجل الانتقام لهذا الهجوم، وازالة نظام طالبان وتنظيم القاعدة كليا من على الخريطة.

الحرب الامريكية على الارهاب اطاحت بنظام طالبان فعلا قبل 12 عاما، ودمرت البنى التحتية العسكرية لتنظيم القاعدة، وبعد ان خسرت ما يقرب الف مليار دولار في افغانستان، وضعفي هذا الرقم في العراق، وخمسة آلاف من جنودها، تستجدي حركة طالبان للتفاوض معها من اجل انقاذ ماء وجهها وترتيب خروج آمن لها.

تنظيم “القاعدة” قبيل هجمات الحادي عشر من سبتمبر كان له عنوان يتيم في العالم وهو كهوف تورا بورا في افغانستان، آلان هناك اكثر من عشرة عناوين، تزداد قوة وعنفوانا، ابتداء من العراق ومرورا باليمن وانتهاء بسورية، ناهيك عن عناوينه الاخرى التي لا تقل اهمية مثل القاعدة في المغرب الاسلامي والساحل الافريقي.

الجيل الجديد من انصار تنظيم “القاعدة” يمثل خطورة اكبر من الجيل الاول المؤسس، لانه يتواجد حاليا في قلب المنطقة العربية وليس في افغانستان البعيدة نسبيا، ومعظم كوادره من ابناء البلدان التي يتواجد فيها مثل اليمن والعراق وسورية والمغرب الاسلامي، مع وجود مقاتلين من جنسيات عربية واسلامية مثل الشيشان والبوسنة والقوقاز وغيرها، فالتنظيم عابر للقارات والحدود، مضافا الى ذلك تحوله الى تنظيم غير مركزي، حيث يعتمد كل فرع يتولى احد الفروع بتمويل فروع اخرى تعاني نقصا في المال او السلاح.

ففي سورية بات التنظيم يعتمد على تحويله من بيع النفط، كذلك الحال في ليبيا، بينما تأتي معظم مداخيل تنظيمي القاعدة في المغرب الاسلامي ودول الساحل من اموال الفدية التي تدفعها دولا اوروبية مقابل الافراج عن رهائنها وهكذا.

التدخلات العسكرية الامريكية في دول عربية مثل ليبيا والعراق واليمن وافغانستان ادت الى تحولها الى دول فاشلة، مما يعني خلق البيئة الملائمة لتنظيم القاعدة والجماعات الجهادية التي تتبنى ايديولوجية دون اسمه، مثل جبهة النصرة والدول الاسلامية في العراق والشام، مضافا الى ذلك توفير مئات الاطنان من الاسلحة خاصة في ليبيا والعراق ووصل بعضها الى سيناء وقطاع غزة.

المعضلة الاكبر التي تواجهها امريكا ودول المنطقة تنعكس في تواجد متزايد للجماعات في سورية، حيث تؤكد معظم التقديرات انها تمثل حوالي ثلاثين في المئة من حجم المعارضة المسلحة التي تقاتل على الارض السورية لاطاحة نظام الاسد.

واذا كان هناك اتفاق بين كل من النظام السوري وامريكا وروسيا فهو الاتفاق على خطر هذه الجماعات، وضرورة القضاء عليها قبل الحديث عن اي تسوية سياسية او عسكرية للازمة السورية. فالخوف من الاسلحة الكيماوية السورية لا ينطلق من استخدامها ضد الشعب السوري، فهذا آخر شيء تخشاه امريكا، وانما من وقوعها في ايدي هذه الجماعات واستخدامها ضد اسرائيل.

من يطالع ادبيات الجماعات الجهادية في سورية يجد هجوما شرسا على اللواء سليم ادريس قائد الجيش السوري الحر، واتهامه بالخيانه من خلال تحول جيشه الى صحوات لمقاتلة هذه الجماعات والقضاء عليها خدمة لمخططات امريكية على غرار ما حدث في العراق.

قوات الصحوات التي شكلها وسلحها ومولها الجنرال الامريكي بترايوس ووصل تعدادها الى 80 الف عنصر، فشلت في القضاء على تنظيم “القاعدة” في العراق، وان كانت اضعفته لفترة قصيرة عاد بعدها الى ذروة قوته ونجح في تصفية العديد من قياداتها، وستكون مهمة الجيش السوري الحر او اي قوات اخرى اكثر صعوبة اذا ما تقرر تكرار تجربة الصحوات العراقية.

الحرب الامريكية على الارهاب التي انطلقت وتأسست على احداث الحادي عشر من سبتمبر لم تضعف تنظيم القاعدة وتنهي حركة طالبان، بل ما حدث هو العكس تماما، فالتنظيم بات اقوى بعد اغتيال زعيمه، بينما حركة طالبان ما زالت تملك الكلمة العليا في افغانستان وتسيطر على ثلثي البلاد وعودتها الى السلطة باتت مؤكدة وفي غضون عام.

السحر انقلب على الساحر!

التعليقات