الرئيس الامريكي باراك اوباما يعيش مأزقا لم يعش مثله اي رئيس امريكي آخر، ربما منذ اكتشاف امريكا، فقد بدا معزولا في قمة الدول العشرين، يستجدي الحلفاء، القدامى منهم والجدد، لتأييد خططه لضرب سورية، بما في ذلك الاوروبيين، ولكن هذه الاستجداءات لم تجد آذانا صاغية فقد تخلى عنه الجميع تقريبا.

عارض التدخل العسكري في سورية منذ بداية الازمة قبل عامين ونصف العام لانه يدرك العواقب ولانه انتخب من اجل انهاء حروب في الشرق الاوسط وليس اشعالها، وفاز بجائزة نوبل للسلام على هذا الاساس، وقبل ان يتسلم مهام منصبه رسميا، ولكنه تراجع تحت ضغوط الجمهوريين، وخصمه الاشرس السناتور جون ماكين والمرشح السابق للرئاسة، واستخدام الاسلحة الكيماوية ضد مدنيين في سورية واتهام النظام بذلك.

الرئيس اوباما قرر اطلاق حمم صواريخه لتدمير دمشق في ضربة قال انها محدودة او ضيقة، ولكن عندما تأمل النتائج الخطيرة التي يمكن ان تترتب عليها قرر الذهاب الى الكونغرس للحصول على تفويض، وها هو يقول انه سيوجه خطابا الى الشعب الامريكي يوم الثلاثاء المقبل، اي بعد تصويت الكونغرس ليدافع عن نفس، او عن اي قرار يتخذه، سواء بالذهاب الى الحرب في حال دعم الكونغرس، او بالتراجع عنها اذا ووجه بمعارضة المشرعين الامريكيين.

هذا المأزق الذي يعيشه اوباما لا يعود الى كرهه للحرب فالرجل يخوضها من السماء يوميا في افغانستان واليمن عبر طائرات “الدرونز″، ولا حقنا للدماء فعدد ضحايا ضربات هذه الطائرات في البلدين يفوق الستة آلاف شهيد، وانما خوفا ورعبا من التورط في حرب مفتوحة على كل النهايات والمفاجآت.

لو كان اوباما متأكدا من فوزه وعدم حدوث اي رد قوي على عدوانه، لما ذهب الى الكونغرس، ولما تنازل، وقرر مخاطبة الشعب الامريكي، فلم يفعل ذلك اي رئيس امريكي قبله وربما بعده ايضا.

هذه هي الحرب الوحيدة تقريبا التي تخلو من عنصر المفاجأة، ولا تنطبق عليها النظرية الازلية التي تقول ان الحرب خدعة، فالسوريون وحلفاؤهم الروس والايرانيون وحزب الله يكادون يعرفون موعدها، والاسلحة التي ستستخدم فيها، والاهداف التي ستضربها، ومن المؤكد انهم استعدوا جيدا، او هكذا نفترض.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال في المؤتمر الصحافي الذي عقده في ختام قمة العشرين انه سيساعد سورية في حال تعرضها الى اي عدوان، وهذا التعهد لم يطلقه من قبل، ويتناقض كليا مع تصريحات لوزير خارجيته سيرغي لافروف الذي نفى اي نوايا لبلاده لخوض مواجهة مع امريكا او غيرها فوق الارض السورية، وعزز هذا التعهد بارسال المزيد من البوارج الحربية الروسية الى مياه البحر المتوسط الدافئة، وبوتين ليس رعديدا مخترقا مثل غورباتشوف ولا سكيرا مثل بوريس يلتسين.

المدمرات الامريكية الخمس التي تحمل كل واحدة على ظهرها 45 صاروخا من طراز توماهوك الى جانب حاملات طائرات سترابط على مسافة الف كيلومتر من الشواطئ السورية على الاقل (مدى صاروخ التوماهوك 1500 كيلومتر) لتجنب صواريخ باخونت الروسية الصنع والمضادة للسفن الموجودة في الترسانة السورية.

هناك سؤالان يطرحان نفسيهما بقوة خاصة على بعض السوريين والعرب الذين يؤيدون هذه الضربة ولا ينامون الليل انتظارا لها، ويقيمون سرادق الافراج استعدادا للاحتفال بها، الاول عن امكانية ضرب الصواريخ الامريكية لمخازن الاسلحة الكيماوية وتسرب محتواها من غازات سامة بكميات كبيرة تؤدي الى قتل مئات الآلاف من السوريين ان لم يكن اكثر. والثاني هو اذا ما تحولت المنطقة كلها الى ميدان لحرب عالمية ثالثة تستخدم فيها كل الاسلحة بما في ذلك النووية بحيث الا تقوم لها قائمة بعد مئتي عام او اكثر.

عندما بدأت الاستعدادات الامريكية لضرب العراق وتدميره بعد اجتياح قواته الكويت واحتلالها صيف عام 1990، سمعت عراقيين وبعضهم كانوا اصدقاء وزملاء يقولون من منفاهم اللندني وعلى رؤوس الاشهاد، انهم لا يمانعون تدمير العراق بالكامل وافناء شعبه، شريطة ان لا يبقى صدام حسين ونظامه.

لم اسمع حتى الآن سوريا واحدا يكرر مثل هذه الاماني، آمل ان لا اسمع، لان سورية وشعبها ايا كان خندقه او مذهبه او هويته هو اخ وشقيق نتألم لاستشهاده او تدمير بيته، وبالتالي بلده الذي هو بلدنا، واحد اركان تاريخنا وحضارتنا المشرفين، وقاعدة صلبه لنشر العقيدة الاسلامية السمحاء في ارجاء المعمورة.

امريكا تستعد لتكرار السيناريو العراقي بحذافيره في سورية، ولكن دفعة واحدة، وليس على دفعتين (التدمير عام 1991 والاحتلال عام 2003)، فلن تكون ضربة محدودة، او نصف او ربع ضربة، فالهدف الاساسي سورية، والدافع الاساسي حماية اسرائيل ويتساوى عند الامريكي المعتدي النظام والجماعات الجهادية والقول منع استخدامه الاسلحة الكيماوية مرة اخرى، المقصود منه منع استخدامها ضد اسرائيل، وليس ضد الشعب السوري او المعارضة او الجماعات الجهادية.

اي عدوان امريكي على سورية من المرجح ان يواجه بالرد واحتماء الامريكان بالمدمرات وتفوقهم الجوي والصاروخي، والبقاء بعيدا في عرض البحر او القواعد العسكرية في غوام ربما لن تمنع هذا الرد، ولن افاجأ يوما بأن اوباما الذي قال انه جاء من اجل وقف الحروب في الشرق الاوسط سيدخل التاريخ كمفجر اكبر الحروب واشرسها في المنطقة وربما في العالم بأسره، سواء من حيث حجم الدمار او الضحايا.

التعليقات