الازمة السورية باتت ازمة غربية ايضا، اي انها لم تعد مصدر رعب لدى دول الجوار العربي فقط، فهي تسيطر على دوائر صناع القرار في اوروبا، وتصيبهم بارتباك غير مسبوق على عكس ما كان عليه الحال تجاه كل من الحربين في افغانستان والعراق تحت عنوان الحرب على الارهاب.
القادة الغربيون يخشون من التورط عسكريا في سورية، ولكنهم في الوقت نفسه غير واثقين من فرص نجاح اي حل سياسي يتم التوصل اليه عبر مؤتمر جنيف الثاني، والسبب في ذلك معضلة كيفية التعاطي مع الرئيس السوري بشار الاسد الذي يتمسك بالحكم وتصر المعارضة السورية على تنحيه كشرط لاي تسوية سياسية.
ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني كان من اكثر المتحمسين لتسليح المعارضة السورية باسلحة حديثة متطورة، ولكن حماسه هذا فتر بشكل ملحوظ لان الرئيس الروسي بوتين يرفض هذا التسليح ويعتبره تدخلا عسكريا مرفوضا، ولان الرئيس الامريكي باراك اوباما يريد ان يظل بعيدا، في الوقت الراهن على الاقل، لانه لا يريد حربا في سورية مثلما يقول مساعدوه.
كاميرون بدأ يميل الى سيناريوهات يعتقد انها خلاقة ويمكن ان تشكل بديلا لخيارات التسليح، ابرزها محاولة تشجيع الجيش السوري على الاقدام على عملية انقلابية تطيح بالرئيس الاسد وتحافظ على هياكل النظام.
خطة رئيس الوزراء البريطاني تريد تجنب ما حدث في كل من العراق وليبيا، اي وجود فراغ سياسي وآخر امني في حال اسقاط النظام مما يؤدي الى نتائج عكسية تماما، ولهذا يريد ان تتركز الجهود حاليا على تصفية الجماعات الجهادية المتشددة، وتعزيز المعارضة السورية المعتدلة بزعامة الجيش السوري الحر، ثم اجراء حوار بين المعارضة وقادة الانقلاب للتوصل الى حل سياسي للازمة.
تصفية الجماعات الجهادية سواء من قبل النظام وقواته او من قبل الجيش السوري الحر عملية صعبة ومعقدة للغاية لان هذه الجماعات متغلغلة في نسيج الشعب السوري، السياسي منه والاجتماعي، وباتت تضم في صفوفها الآلاف من الشباب السوري الى جانب بعض المقاتلين الاسلاميين القادمين من دول عربية واسلامية.
اعطاء الاولوية لتصفية الجماعات الجهادية من قبل روسيا والغرب معا قد يؤدي الى اطالة الحرب لسنوات، خاصة في ظل تزايد اعداد الجماعات المسلحة هذه، واحتمالات وصول الاسلحة الحديثة اليها بطريقة او باخرى، ولنا في ما حدث في العراق بعض الامثلة، فالتنظيمات الاسلامية المتشددة في العراق ما زالت موجودة رغم مرور اكثر من عشرة اعوام على الاحتلال.
بريطانيا حاولت تجريب سيناريو الانقلاب العسكري في العراق للاطاحة بالرئيس صدام حسين وحكمه، مثلما حاولت اغتياله، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم يكن هناك اي خيار آخر لدى امريكا والغرب غير التدخل العسكري المباشر واحتلال البلاد واطاحة النظام واعدام رأسه في محكمة صورية.
فهل تكون حظوظ الخطط البريطانية الانقلابية في سورية افضل من نظيراتها في العراق؟

التعليقات