عندما كتبت مقالي ما قبل السابق تحت عنوان إنها القصير يا قصيري النظر رداً على سؤال وجهته إليّ إحدى المحطات التلفزيونية عن كيفية الرد السوري على العدوان الإسرائيلي على جمرايا في ريف دمشق، قلت إن الرد بدأ في القصير لأن مخابئ وملاجئ وأنفاق القصير ومن يعمل فيها يعمل لمصلحة إسرائيل.. وعندما يستهدف الجيش السوري هذه المواقع الصهيونية العملانية إنما هو يرد على العدوان بما يستحق.
يومها كان التخمين والاجتهاد سيّد الموضوع والتحليل والاستقراء.. لكن الذي أيقنني أن القصير كانت غرفة عمليات الناتو وما بعد الإعلان عن تحرير المدينة وطرد الإرهابيين وتنظيفها من العابثين في موقعها ودلالاتها.
ولهذا فقد أذهلتني ردود الأفعال العالمية على عودة المدينة إلى حضن الوطن وعودة أهلها إلى حياتهم..
لم يبق مسؤول أوروبي- إسرائيلي – أميركي.. أممي إلا وأعرب عن موقفه.. منهم من اعترف بالهزيمة.. ومنهم من توعّد بالرد.. ومنهم من ارتبك وبدت تصريحاته وكأنها هذولة ما بعد الضربة على الرأس. ومنهم من فقد اتزانه وتوازنه.. العالم كلّه صار معنياً بسقوط المدينة ومتابعة أدق التفاصيل.. ولم ينكر أغلبهم أن الجيش السوري قادر على بسط السيطرة التامة على كل شبر من أرض سورية.. وقادر على تحرير أي شبر محتل سواء كان الاحتلال خارجياً معروفاً وموصوفاً.. أو داخلياً وقد غلفته إسرائيل و من معها- والعالم كله معها-.. بورق السلوفان الذي سمّوه.. الربيع العربي.
ولكي يبرروا الهزيمة التي مُني بها الإرهاب الدولي على الأرض السورية.. ولكي يستأنفوا بث سموم الفتنة أشركوا في تصريحاتهم التبريرية حزب الله في العمليات العسكرية وذلك لتحقيق أهدافهم.. منها.. أن الانتصار السوري لم يكن ليتحقق لولا مشاركة حزب الله.. وإن الحزب متورط في الداخل السوري- ولهذا جاء بيان جامعة نبيل العربي وحمد بن جاسم ليقول في ختام اجتماعاتهم الخليجية إن العرب ضد التدخل العسكري الخارجي وهم الذين حملوا الملفات واتجهوا إلى منابر الأمم المتحدة يستجدون التدخل الأجنبي في سورية، وهم اليوم ضده في إشارة كان الخلاف عليها واضحاً بالصوت المسموع والصورة المشاهدة إلى تدخل حزب الله.
ولو كان التدخل للناتو في الاتجاه المعاكس لكان ترحيب الجامعة بالرقص وسباق الهجن احتفالاً..
جامعة ساقطة بكل مقاييس السقوط الأخلاقي والإسلامي والعروبي.. وقد أسهم قادتها المأجورون في سقوطها المريع أمام الرأي العام العربي والعالمي، كما أسهم أمينها العام بضعف قدرته على مقاومة المال والإغراء والشراء..
عودة مدينة سورية إلى حضن الوطن كان الخبر الأبرز في مختلف وسائل إعلام العالم وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على المخزون المعلوماتي والتقني والعسكري الذي وضع الناتو ثقله لكي تكون بؤرة التخطيط والعمليات.
لا تتوقفوا أيها السادة طويلاً عند القصير، فقصر النظر عندكم يمنعكم من رؤية ما بعد.. بعد القصير.. وستدفعون الثمن غالياً سواء في المناطق التي تديرونها على الأرض السورية أو في ساحات التقسيم.. والتحرير والميادين في قلب بلدانكم وعواصمكم.. وقصوركم.. والمسألة مسألة وقت فقط.. وإذا كانت شعوبكم قد أمهلتكم وأعطتكم الفرصة للاستفادة من عبرة الدرس السوري فلن تهملكم، وأنتم وشعوبكم على موعد ما بعد القصير.
أوضاعكم بائسة.. ونفسياتكم يائسة ولا أجد ما أقول فيكم أكثر أو أقل مما قاله الصحفي الروسي مكسيم شفيتشنكو الذي شبهكم بقطيع البقر الضائع الفاقد الإحساس بالاتجاه الصحيح فبدأ بالتخبط وتحطيم كل شيء.. فيما الرئيس الأسد وشعبه يستثمرون تخبطكم لصناعة الانتصار تلو الانتصار.

 

 

التعليقات