موقع الشيخ معاذ الخطيب في قيادة المعارضة السورية يتسم بالغموض، فمنذ ان قدم استقالته من رئاسة الائتلاف الوطني السوري في اواخر آذار (مارس) الماضي احتجاجا على الموقف الغربي المتلكئ في دعم الجيش السوري الحر باسلحة حديثة متطورة، ما زال من غير المعروف ما اذا كانت هذه الاستقالة قد قبلت ام لا، وفي حال قبولها، فالسؤال هو عن الدور الجديد للشيخ الخطيب في المعارضة؟
الشيخ الخطيب ما زال يتصرف وكأنه زعيم المعارضة السورية، ويتضح ذلك من اطلاقه يوم امس مبادرة للخروج من الازمة في سورية تنص في ابرز بنودها على تنحي الرئيس السوري بشار الاسد عن منصبه وتسليم جميع صلاحياته كرئيس للجمهورية الى نائبه السيد فاروق الشرع او رئيس الوزراء الحالي السيد وائل الحلقي.
وتعطي المبادرة الرئيس الاسد عشرين يوما لمغادرة البلاد مع اسرته و500 من المقربين اليه وعائلاتهم واطفالهم الى اي بلد يرغب باستضافتهم، ولكن المبادرة لم تقدم لهؤلاء اي حصانة ضد ملاحقات قانونية في المستقبل.
لا نعرف لماذا اطلق الشيخ الخطيب هذه المبادرة وفي مثل هذا التوقيت، وما اذا كان قد تشاور حولها مع زملائه في الائتلاف والمعارضة او دول عربية وغربية قبل اطلاقها، ولكن ما نعرفه ان فرص قبولها من قبل الرئيس السوري تبدو محدودة ان لم تكن معدومة.
فمبادرة كهذه تطالب الرئيس الاسد بالرحيل في غضون عشرين يوما واركان قيادته لا يمكن ان تصدر عن فرد او تنظيم، وانما عن قوة عظمى او مؤتمر دولي يصل الى توافق تام بين جميع الاطراف، اللهم الا اذا كانت قوات المعارضة السورية تحاصر القصر الجمهوري، واصبح انتصارها حتميا.
الشيخ الخطيب يدرك جيدا ان الرئيس السوري كرر اكثر من مرة في لقاءاته الصحافية وخطبه السياسية انه ليس في وارد التنحي ومغادرة البلاد، وانه مصّر على البقاء على رأس السلطة والترشح لخوض الانتخ
ابات الرئاسية المقبلة، ولهذا فان مبادرته هذه التي تختلف عن مبادرته الاولى من حيث اشتراطها تنحي الرئيس وخروجه من البلاد قد تظل حبيسة صفحات ‘الفيس بوك’ التي تضمنت تفاصيلها.
الغريب في الامر ان الشيخ الخطيب اطلق هذه المبادرة من مدينة اسطنبول اثناء حضوره اجتماعا للمعارضة السورية لاتخاذ قرار بشأن المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني من عدمه، وفي تزامن مع نشر صحيفة ‘الصباح’ التركية القريبة من الحكومة هيكل مبادرة تركية جديدة ناقشها السيد رجب اردوغان في واشنطن، وتنص على تشكيل حكومة انتقالية مختلطة من الحكومة والمعارضة بصلاحيات كاملة مع بقاء الاسد في قصره والسماح له بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة اذا اراد.
فهل صدور المبادرتين في الوقت نفسه هو دليل تنسيق بين تركيا والسيد الخطيب، ام ان الرجل لم يكن على علم مسبق بالمبادرة التي يطبخها حلفاؤه الاتراك في الخفاء، وبصدد العمل على اعتمادها في مؤتمر جنيف الثاني في حال انعقاده في منتصف الشهر المقبل مثلما هو متوقع؟

اللافت ان الاصوات المرحبة بمبادرة الخطيب هذه في اوساط المعارضة كانت محدودة للغاية، الامر الذي ربما يجعلها تضيف موضوعا خلافيا جديدا في اوساط المعارضة التي ينتقد الكثيرون انقساماتها والصراعات الشخصية بين قياداتها.
الشيخ الخطيب اجتهد وتقدم بهذه المبادرة انطلاقا من قناعاته الشخصية، ولكنها مبادرة لن يكون حظها من النجاح والقبول اكثر من مبادرته الاولى التي كانت اكثر بساطة في شروطها، حيث لم تطالب الا بالافراج عن المعتقلين وتجديد جوازات سفر السوريين المقيمين في الخارج. ولا نعتقد انه سيظفر باكثر من اجر المجتهدين.

التعليقات