يختلف الفقهاء على أن لا دليل من القرآن والسنة يؤكد أن اسم ملك الموت هو عزرائيل، لكنهم يتفقون على وجود ملك الموت الذي يقبض الأرواح وهو آخر المخلوقات والملائكة موتاً يوم القيامة. القصة ليست هنا، بل في أن ملك الموت عزرائيل قد استقر بسورية منذ زمن ويأخذ في كل يوم أرواح عشرات السوريين، أقسى ما أخذه مؤخراً كان أرواح أطفال ونساء في حي كرم الزيتون بحمص التي أفاقت يوم الاثنين على صباح أحمر جديد بلون الدم. من قال لعزرائيل ولنا ـ نحن الأحياء ـ أن هؤلاء القتلى المقطعة أوصالهم قد قدموا نفسهم وأجسادهم قرابين لثورة الحرية والديمقراطية في سورية حباً وطوعاً ورغبة. قبل أن يقبض على أرواحهم، لم يسألهم عزرائيل إن كانوا ينشدون تداول السلطة وتعدد الأحزاب والانتخابات النزيهة أم يفضلون الاستفتاء والرئاسة الأبدية والحزب الخالد، بل ولا يعنيه شيء من هذا القبيل لم يختبر عزرائيل ثقافتهم وإطلاعهم حول معنى المؤامرة وهل هي كونية أم محلية الصنع ولم يستشرهم إن كانت أمريكا وحلفاؤها من دول الاعتدال يقفون وراء ما يجري في سورية أم أن رواية السلطة محض كذب وافتراء. قبض عزرائيل أرواح أطفال في كرم الزيتون قبل أن يعرف إن كانوا يشاهدون العربية والجزيرة أم الدنيا والإخبارية السورية، إذا كانوا سيهتفون لإسقاط الرئيس أم تأييداً له وحباً به. أجزم أن عزرائيل لم يُخبرهم إن كان برهان غليون ثائراً مناضلاً سيأتي لنا بالحرية أم مجرد بدعة تركية وورقة فرنسية قطرية، ولم يحكِ لهم كيف قضى ميشيل كيلو وحسن عبد العظيم وغيرهما في سجن السلطة ولماذا قضوا؟، ومَن سيخلف النظام السياسي الحالي (فيما لو سقط)، وهل سيأتي الحكام الجدد عبر الثورة السلمية وشعاراتها وأناشيدها، أم عبر طائرات الناتو التي ستقصف مَن تبقى من إخوتهم وأقربائهم. يقول أحد دعاة الحرية: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كناية عن أن الطعام والشراب ومستلزمات الحياة المادية لا تُغني عن حرية المرء وكرامته، ويقول هؤلاء الموتى لإخوانهم الأحياء: ليس بالمساعدات الإنسانية وحدها يحيا السوريون، لن تردّ علبة الحليب القادمة من الأمم المتحدة رصاصة الموت عن طفل رضيع ولن تمنع علبة الدواء التي سيرسلها الأشقاء العرب سكيناً غُرزت في بطن امرأة فانتزعت أحشاءها. وحده أمن المرء قبل جوعه وبرده وحريته، وحدها نفس مطمئنة وقلب ينبض بالسكينة قبل المعارضة والسلطة معاً. ينتفض قادة العالم اليوم ليُقدموا المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية للسوريين ولا يكلف هؤلاء القادة نفسهم البحث في السبل الواقعية الكفيلة بوقف نزيف الدم السوري، بعضهم لا يُسعفه عقله بأبعد من سلة البيض التي سيرسلها إلى بابا عمرو وآخرون لا يتسع عقلهم السياسي سوى للبحث عن بندقية يرسلونها لتسليح المعارضة. في دمشق همس المبعوث الكوني كوفي عنان في أذن من التقاهم من معارضي الداخل السوري يوم السبت الفائت: 'يجب ألا يكون الدواء للأزمة السورية أسوأ من المرض'، لا شيء يلوح حتى الآن بأن بلسماً دولياً أو عربياً يجري إعداده ليقطع نزيف الدم هذا. 'كل شيء في سورية ولأجل سورية... معارضون ومؤيدون، مسيرات ومظاهرات، اجتماعات ولقاءات، تصريحات وتصريحات مضادة، سلطة ومعارضة، اتهام ونفي، تنديد وترحيب، كوفي و كي مون، محللون ومسؤولون، فضائيات وصحف، أمراء ومشايخ وفتاوى، قادة ورؤساء وملوك ووزراء، مساعدات وتسليح وتسبيح وتشبيح، ثورة وفورة، انشقاق وانضمام، قصف وقتل واغتيال وخطف وفدية وتفجير... المرسال واحد فقط عنوانه الموت ... يحمله لنا عزرائيل بنسخته السورية
عن القدس العربي
2012-03-17 18:50:39