تطوي السنوات أعمارنا، وعيد المحبة يمضي بلا لون إلا لون الدم.. ولا رائحة إلا رائحة التفجير.. ولا طعم إلا مرارة الأيام وعقم الساعات.. لا نزال بأثقال متاعبنا محمّلين. نقطع الزمن والأيام كما يزرع التائهون الضائعون الأرصفة.. نتلاطم كالموج بالممكن.. وكالريح بالمستحيل.. يعتصرنا الشوق لمن لا تجد ذكراهم بين ثوانينا مكاناً.. فقد رحلوا.. مع أن المكان كله لهم كما تراكم الأزمنة. وعندما تُسد المنافذ.. والنوافذ.. وتغلق الإبرة خرمها في وجوهنا نتكئ على ذكرى صديق رحل.. أو صديق قد توفاه الامتحان السهل – الممتنع وهو حي يدّعي القوة وهو في حالات الوهن النفسي والوطني.. والهممي ومعاً نجترّ اللحظات.. وكل منا يكرّ شريط الزمن على هواه ومبتغاه بحثاً عن اللحظة المشتركة مع النفس.. والذات علّنا: نجد عند أعتاب المراجعات الوجدانية ساعة هدوء، أو لحظة انسجام مع النفس مع ما فيها من ذكريات..وتداعيات..وهموم.. وتمنيات.. ألأنه: كلما تسارعت إيقاعات أعمارنا يتسارع الزمن؟ وتضيق الفسحة التي ننتظر.. والتي من أجلها قضينا العقود.. وسفحنا على أعتابها الساعات.. وتعلمنا عند منعطفاتها القدرة على الانتظار.. يوم صار الانتظار ممتعاً ظناً منّا أن القادم.. قادم ولو بعد حين..؟ وإلاّ.. لماذا لا ندرك المتواضع من الحلم.. الساذج من التمنيات على الرغم من أننا جيل التضحية والبناء كما ادعينا يوماً.. وكما ندعي اليوم.. الجيل الذي امتشق الإرادة سلاحاً وقلَماً.. جيل الإبداع وصناعة الأحلام حتى بلغ بنا اليأس حدّ استنزاف الوقت.. حدّ التقاعس عن واجب لا أقدس ولا أحب كذكرى رحيل الأب أو رحيل الأم.. أرجأناه.. وأجّلناه مراراً.. وعندما أسعفنا الوقت لتحقيقه أدركنا ساعتها أنه الواجب الأيسر الأسهل والأمتع في الزمن الصعب.. وأنه الأحب في الزمن الممجوج المكرور في روزنامة الزمن الذي نعيش. صداقات انهارت.. ومفاهيم تبدلت.. وقيم فقدت مغزاها.. وقصص حب رومانسية لوثها الإرهاب بالدم ورواسب التعصب ورائحة البارود والجثث المتفحمة جراء تفجير رتل من الناس والأعمار والأحلام عند محطة وقود شعبية بحثاً عن وقود للدفء عجزت حكومة "الإنقاذ" عن توفيره. مواقف لأصحاب المواقف اتُخذت على عجل.. وعلى إيقاع تسارع الأحداث وقسوتها.. شرّخت النفوس، وهزت الأبدان، وأثارت غرابة ما بعدها غرابة لا تستقيم مع السائد والمنساب والمنسي بحكم دخوله في نسيج المتعارف عليه.. لا بل في لحمة المبادئ وسدى التوقعات.. عندما تقرأ صديقك قراءة حقيقية واقعية وصادقة قبل أن تبحث له عن مبررات وأسباب موجبة بخروجه عن المألوف والسائد في حكم الظروف إياها التي تمر بها البلاد والعباد وأنت يا صديقي وأنا منهم. أوّاه يا صغيري الذي خاطبتك طفلاً قبل ألف عام.. كبرت وكبر همك.. وكبر معك وبك الحلم الذي لا أرجوه لنفسي فقد كرّت سبحة الزمن.. وإنما أرجوه لك علّ القادم من الأيام السورية يشرع لرغبتك العودة إلى الوطن الأبواب السبعة وباب قلبي الثامن.. وحدك.. صوتك.. نجاحاتك تنسيني الطعنات.. وتجفف منابع الوجع النفسي والوطني وإحباطات الذين أحببت ومعهم صدقت.. وبهم تأمّلت.. وعند كرمهم وسخائهم الروحي احتسيت قهوتي يوماً على عجل... سأتبعك.. لا بل سنتبعك وسنسير على خطاك لأنها الخطوات الأهم في حيواتنا نحن.. انتظرني لعل انتظاري ممتع كما روضت نفسي على انتظار من أحببت وجعل انتظاري لهم ممتعاً مع فارق واحد هو أنني قادم إليك أبحث عن ذاتي.. فيبدو أنني منحتك إياها كلها ولم أبقِ على ما تيسر منها لبقية الأيام وهي الأرذل.. ثمة خيط رفيع بين اللهفة إليك والحنين إلى وطني، ينظم أو يبعثر الأفكار..أو ربما يرفعها من الترقب والانتظار إلى الحضور المشتهى.. ثمة خيط رفيع بين إيقاع صبوك وصباك وبين كبوة وطن وصحوة جواد.. وهاهو الصوت القادم مع وهج الحلم يقترب.. ويتسع له الأفق.. وتشرع له دمشق أبوابها.. فالحلم يتوهج.. ومن قلب الرماد الأسود تستوي جمرته وحصار الأمطار يبشر بالزرع والضرع والحصاد في الأرض المروية دماً ومطراً وأملاً.
  سيريا ديلي نيوز

التعليقات