المهندس باسل قس نصر اللهالمهندس باسل قس نصر الله - عندما كنا في المدرسة، كان أستاذ مادة الجيولوجيا يرشقنا بمعلومات حول العصور الجيولوجية المتنوعة، فمن العصر الجليدي والعصر الحجري ... ويتابع رشقاته بتسميتها – وانا ادوخ من تعدادها – فالنحاسي وغيرها من العصور. لقد مات استاذي قبل ان يعرف اننا في عصر المعلوماتية، ولكن الدكتور زبغينيو بريجينسكي مستشار الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي كتب ان اميركا وصلت الى عصر ما بعد المعلوماتية وسماه بالعصر التكنوتروني، ولا أعرف هل هذا العصر يأتي قبل العصر الجوراسي ام بعده. لم أكن اتصور انني سأكتشف عصراً خاصاً بمدينة حلب، فبفضل الظروف غير الطبيعية التي نمرّ بها دخلت مدينة حلب وسبقت الكثير من الدول والمدن بهذا الفتح المميز، إذ انها دخلت في العصر الحطبي. اصبحت حلب بفضل الظروف، مدينة البسطات (البسكويت وحطب التدفئة وربطات الخبز والخضار والفواكه والدخان وشواحن الكهرباء...) ففي كل رصيف ترى العشرات منها وكل ذلك من اجل راحة المواطن حيث يجد ما يشاء دون ان يُجهد نفسه بالبحث والنطوَطَة من سوق الى آخر ومن دكان الى دكان. في إحدى المرات كنت مع صديق يشتري مادة البنزين، والحمد لله تطور وضع البيع فاصبح البنزين غير مقصور على الكازيات، بل يستطيع اي فرد ان يبيع مادة البنزين والغاز والمازوت، والكل يُدلِّل على بضاعته ويُغنِّجها، الى درجة ان البائع الذي اشترى منه صديقي البنزين قال لنا متباهياً ببضاعته: "والله يا استاذ عم ابيعك بنزين صافي متل زيت الزيتون." حتى اننا بدل ان نشكر انقطاع الكهرباء الذي اتاح لنا ان نأكل طعامنا على ضوء الشموع، اصبحنا نقذف السنفور المضيء (وزير الكهرباء) باشنع الالفاظ واقبحها وبسرعة مذهلة الى درجة ستجعله يدخل موسوعة غينيس للارقام القياسية بأكثر الاشخاص الذين تلقوا كلمات شنيعة (وكل ذلك بفضل ابناء مدينتي الافاضل) مع العلم انه في زيارته الميمونة مع اصدقائه السنافر الى حلب، قال انه لا يملك شارباً وإلا كان حلف عليه ان الكهرباء ستتحسن، وليسمح لي ان اقول انني عندما اراجع بصفتي واسأل عن سبب انقطاع الكهرباء ، يجيبونني انهم في دمشق اعطوهم تغذية كهربائية قليلة وعندما اسأل اكثر يعلمونني ان المسؤول عن الشبكة الكهربائية وتوجيهها وتوزيعها هو الوزير المضيء، وعندها اتوجه لأشتري سماداً عساني ارسله من اجل شاربيه. كل ذلك من المعاناة والضغط والتوتر والخوف مرة من القنص ومرة من اخبار تهدر على مسامعنا حول مجازر واناس يُقتلون بدمٍ بارد ومن اسماء ما كنا نسمعها الا على التلفزيون، لا بل نعتبرها من نوع الخيال، فجبهة النصرة ولواء التوحيد والفاروق والشبيحة والتشبيح، اقول كل ذلك... وعندما قدِم بعض الوزراء ورئيسهم لمناقشة الوضع الحالي في حلب، واعتقد انهم قدموا لذرِّ الرماد في العيون، قال رئيس الوزراء، بعد ان قطب حاجبيه ليعطي نفسه الوقار اللازم، "امّنوا لي الطريق الواصل الى حلب وسأبعث لكم بالمحروقات"، وكأنه رئيس وزراء موزامبيق ولا علاقة له بسورية، وكأن الاجهزة التنفيذية والدفاعية – التي اشيد بها – ليست من سلطاته. بكامل اناقتهم واطقمهم الفاخرة وروائحهم العطرة أتوا من دمشق، ليذكروني بمذيعة التلفزيون عندما كانت تقول: "أحبائنا الاطفال، نترككم مع ساعة كاملة من افلام الكرتون"، فنفرح ونبتهج لبرنامج السنافر. قرأت سابقاً ان الأشخاص نوعين، الاول رجال تنفيذ قرار والثاني رجال قرار، والى الان لم نضع للأسف الا القليل من رجال القرار. قام مجلس مدينة حلب بحلول ميدانية لما يستطيع ان يعالجه، وقد قال لي رئيسه ان شهداء المجلس من عمال النظافة والصيانة قد تم قنصهم وهم يقومون على رأس عملهم، لا بل اكثر من عملهم، فقد نقلوا الجثث وقاموا باعمال مديريات اخرى، لا لشيء الا لانهم يحبون مدينتهم ولأنهم رجال. في بداية الأزمة ظهر تخلفنا اعلامياً من خلال العديد من المهرجين الذين كانوا يريدون الدفاع عنا واعتقد انهم فشلوا، حتى أن بعض السياسيين الغربيين والذين كانت لهم رؤية مغايرة لبلدانهم، نبهوني لذلك، واليوم بدأنا مرة اخرى ندير طاولات للحوار ونحشد لها الحضور ونوزع الادوار ونضع الزهور على الطاولات ونوزع القبلات، وننسى كلمات الانجيل المقدس "اعمى يقود اعمى كلاهما الى خراب" وأغلب ما نقوم به، لكي نقول "اننا نعمل يا اولي الامر، اننا نعمل... الا تروننا؟ فلا تنسوننا من جنات المناصب"... ارجوا من الله أن يوقف نهر الدماء والخراب الذي يحيق بسورية، هذا البلد الذي لم اعرف فيه انني رقمٌ , بل عرفت فيه انسانيتي ومواطنتي بغض النظر عن انتمائي الديني والعرقي. syriadailynews    

التعليقات