ليس لأنني عاشق مدينة الصقيع الدافئ "موسكو" ولا لأنها المدينة التي منحتني شهادة الدكتوراة ووهبتني من حياة الناس فيها تجربة غنية.. سياسية.. ومهنية.. وعلمية، والتي تركت مفاتنها وأوابدها بصمات لا تنسى وكأنها أمس على الرغم من مرور ربع قرن ونيف.. ليس لهذه الأسباب وغيرها على أهميتها أناجي مدينة الصقيع الدافئ وأبوح في أذن الساحة الحمراء وضريح لينين هواجس لم ينل منها الزمن.. ولا بددت مفرداتها الأحداث.. ولا التحولات الهائلة التي مرت على العاصمة السوفييتية سابقاً.. والروسية حالياً.. وإنما الظروف الراهنة التي تمر بها سورية وقد استهدفها إرهاب العالم المنظم والفوضوي معاً.. في زيارتنا إلى موسكو خلال الأيام الماضية كان الهاجس الوطني يتقدم على العاطفي مع أن الوطن بعد الانتماء عاطفة وتعاطف ومسيرة حنين.. من الحنين.. كنت كصحفي أُدعى إلى الساحة الحمراء في ذكرى انتصار الثورة البلشفية وأشاهد كغيري من صحفيي ودبلوماسيي العالم العرض العسكري للأجيال المسموح عرضها علناً من مختلف صفوف الأسلحة السوفييتية وكأن كاميرات الصحفيين الغربيين تتسابق لالتقاط الصور بكثافة وبخاصة للصواريخ العابرات للقارات التي كانت تشكل ميزان التوازن العسكري مع الغرب كله بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية. كان الروس يتندرون بصوت مسموع تناهى إلى أذني نصف المعطلة حينها.. أن صوّروا ما شئتم فالأجيال الجديدة من مبتكرات وفعاليات الأسلحة السوفييتية لم ولن تشارك في العروض إلا عندما تصبح أسرارها معروفة.. أو عندما ترغب القيادة السوفيتية كشف النقاب عن بعضها لدواعٍ استراتيجية، يومها كان القرار السوفييتي في المحافل الدولية لا يقبل النقاش ولا الحوار.. ولا التعديل ولا المساومة.. اليوم.. وبعد مرور ربع قرن على بداية التحولات النظرية والعلمية وبعد استقرار الروس وتربعهم على الساحة الدولية أستطيع القول إن الاتحاد السوفييتي نهض من نهوض روسيا، وهي اليوم أكثر ثباتاً وثقة بدورها وبشعبها.. وبإمكاناتها المادية والعسكرية وإن مواقف روسيا جدية واستراتيجية وثابتة وبخاصة إزاء الأوضاع في سورية.. وإن العلاقات التاريخية وعلاقات الصداقة التي ربطت بين سورية والاتحاد السوفييتي آنذاك وروسيا اليوم تركت بصماتها على الزمن الراهن، وإن المفاهيم المشتركة والاتفاقات التي أبرمت خلال الحقبة الماضية لا تزال سارية المفاعيل سواء عند السلطات أم عند عامة الشعب وإن الإرث الذي تركه القادة القدماء عندهم وعندنا لا يزال ينبض بالحياة ويتجدد بالمواقف. في لقائنا مع السيد بغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي تناولنا الفبركات الإعلامية التي طالت موقفه وتصريحاته، قال: إن الإعلام الغربي يمارس دوراً قذراً في اتباعه أسلوب الفبركات التي يحاول تسويقها لتشويه صورة السوريين أمام العالم.. وصورة الموقف الروسي أمام السوريين بهدف النيل من مصداقية القيادة الروسية. نصح بغدانوف إعلامنا مضاعفة الجهد لإيصال الحقيقة الناصعة عن الأوضاع الداخلية في سورية وأن يتصدى للحملات الإعلامية بالمزيد من المصداقية مع الشعب السوري والمزيد من الرسائل التي تهم المتلقي في المجتمعات الأوروبية والاعتماد على الهيئات الأهلية والشعبية وزيادة زيارات الوفود الرسمية وغير الرسمية وهي الأهم للتواصل مع الفعاليات الأهلية في الدول الداعمة للإرهاب أو حتى الدول الصديقة. ما أردت قوله في هذه المقالة بعدما خلطت الوجداني بالسياسي.. وبعدما حاولت تنظيم الفكرة والإحاطة بها.. إن روسيا لا تقبل المساومة على مواقفها وإن محاولات الإعلام الغربي الغمز من قناة مواقف روسيا لن تجد سبيلاً وما حملناه من تأكيدات تجعل المصطلح الأقرب إلى مقاربة الموقف الروسي هو تطابق وجهات النظر وتكامل الأهداف الاستراتيجية. للحديث صلة.. بقي القول إن ما أدهش الروسي هو الوحدة الوطنية السورية وتمسك سورية بقرارها وسيادتها الوطنية وقدرة السوريين على تجاوز محاولات إيقاظ الفتنة الطائفية أو المذهبية بين السوريين وقد نوهوا بأهمية اليقظة لهذا الجانب. لنحارب معاً الطائفية مع الإرهاب فكلاهما إرهاب.. ذلك أن إرهاب الفكر والفتنة أشد خطراً من الإرهاب الموصوف.. ومن موسكو يمكنني القول.. هنا دمشق.
  syriadailynews

التعليقات