عندما يقرر نائب الرئيس السوري فاروق الشرع التحدث علنا مع الحفاظ على موقعه وصفته في الحزب والدولة في سوريا ويقول كلاما لا يعبر عن رأي الحزب والدولة فهذا يعني ثلاثة أشياء : - أن الدولة والحزب في سوريا وخصوصا الرئيس بشار الأسد ليسوا بعائق ولا قيد على تعدد الاراء داخل القيادة بأعلى مراتبها ولو عبرت عن تعددها علنا وهذا يسقط حجج كل الذين تذرعوا بإستحالة إمتلاك رأي آخر كمثل زعم رياض حجاب ومناف طلاس وسواهما ويكشف أن المسألة هي إما في جبن هؤلاء أو عدم إمتلاكهم رأي أو بنوعيتهم الباحثة عن مغانم تركض وراءها كما في السلطة خارجها وهم بذلك خارج السياسة بمعناها الحقيقي . - أن الشرع الذي يعرف كل من يعرفه أنه صاحب راي آخر منذ زمن مبكر قرر التحدث اي الكلام علنا والطبيعي التساؤل لمن هذا الكلام وما هي نتائجه على الجهة التي يستهدف إسماعها وهو في موقعه ومسؤوليته فهل هذه الجهة هي الشعب السوري بكل فئاته أم لفئة منه أم للخارج ام لفئة منه وما هي وظيفة الكلام الان ؟ - أن الموقف الذي قاله الشرع ينفي الحديث عن إنشقاقه أو تقييد حريته لكنه يؤشر إلى دور معين يتطلع نحوه الشرع رغم أنه ينفي النية بلعب أي دور لأن إعلان التمايز عن القرار القيادي لا يقع في دائرة التبشير بل التأشير إلى هذا التمايز لإستقطاب من يقف مثله في هذا اللون الثالث الذي يقول أنا من موقع الدولة والحزب لكني مختلف وهذا يشبه ما يقوله الكثير من الخارج الدولي المتورط في الحرب على سوريا أنه البحث عن شق من الدولة والحزب له مكان في الحلول السياسية التي يريد إنضاجها . في السياسة عندما ينشر كلام مسؤول في الإعلام لا يعود ثمة قيمة لمناقشة ثلاثة أشياء "النوايا والمشاعر والزهد بالأدوار" . - النوايا لأن الكلام متى تنشر صار سياسة تفسر نفسها وتحلل بالنتائج المرتبة عليها وليس بما يفترض أو يدعي صاحبها انها نواياه وهي نوايا غالبا ما تتغير عند كل شرح ومع كل طرف . - المشاعرلأن إغراق الكلام المعلن بالمشاعر والقلق والألم والأسى لا يقدم سوى قشرة تذوب مع الزمن ومع الإختصار قلا يبقى من الكلام المعلن سوى عبارات محدودة تتناقلها وسائل الإعلام وتقع في مكان ما من اللعبة السياسية وهي من أخطر وأكبر اللعاب العالمية في الحالة السورية ومن موقع مسؤول كالشرع ستؤدي دورا معينا بالتاكيد . - الزهد المعلن بالأدوار فهو إما سذاجة لا نظنها في الشرع في لحظة كاللحظة السورية وهو بخبرته يعرف ذلك جيدا او هي على طريقة كل المرشحين لأدوار عندما يجيبون أنا لست مرشحا لكن إذا إقتضت المصلحة العامة فلن أتأخر . إلى المضمون إذن وفورا . يمكن إحتصار ما قاله الشرع بثلاثة عبارات سياسية ذات معنى : - ضاعت لحظة السيطرة على الأزمة بواسطة حوار سوري سوري بسبب أوهام الدولة والمعارضة في البداية حول القدرة على الحسم وتم الذهاب إلى العسكرة التي أفلتت من بين أيدي الفريقين . - الحل الأمني العسكري من جانب الدولة والمعارضة لن يوصل إلى مكان وخصوصا بعد التدخلات الخارجية وحجمها . - الحل هو تسوية تاريخية تنتجها معادلة دولية في مجلس الأمن وينخرط فيها الفرقاء السوريون من دولة ومعارضة عبر حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة . نستطيع تسجيل الملاحظات التالية : - ملفت جدا للنظر عدم تطرق الشرع المخضرم في السياسة لحجم التدفق المالي والتسليحي للمعارضة وكيفية إستجلاب مفردات القاعدة من كل الدنيا وسبب تحول الحدود التركية إلى جبهة حرب على طريقة باكستان اثناء حرب الإستنزاف على الجيش الأحمر في أفغانستان وهذا كله كما يعرف الشرع يستحيل أن يحدث لوجه الحرية والديمقراطية ولا لأن أمير قطر وملك السعودية وحكومة أردوغان ماخدين على خاطرهم ولا إكراما لوساطات عزمي بشارة الزعلان على سوريا أو منها ؟ - إذا كان البعد الدولي والإقليمي بهذه القوة التي نراها حيث يفطر ويتغدى ويتعشى قادة دول كبرى على الملف السوري ليسا حبا بالأبرياء الذين نبكيهم كما يبكيهم الشرع فكيف يتخيل الشرع أن فرصة لحل سوري سوري كانت متاحة وضاعت ويغيب عنه ان الدفع بالعسكرة كان مرصودا ومرسوما من حلف تمرس بتجربته في ليبيا وقرر تكرارها في سوريا لكنه لم يجد بنغازي ثانية ولا مصطفى عبد الجليل ثان ، فالفرصة للحوار ضاعت لأن المسؤولية متساوية في ضياعها ؟ وهو يقول ان لا مجلس اسطمبول ولا إئتلاف الدوحة ولا هيئة التنسيق كانت بمستوى الجدية والمسؤولية ؟ والحوار عندما نتحدث عن دولة ومعارضة لا يصير ضياعه مشتركا إلا بقياس فماهو ؟ وليس لأن التساوي يجعل صاحب الرأي بريئا من دولته بنظر خصومه ويقدمه حياديا بل ؟ علميا لا يمكن الحكم على جدية الدولة إلا بوجود معارضة جدية راغبة بحل سياسي وحوار حقيقي ومستعدة للتضحية والتحمل والصبر على سوء سلوك الدولة حتى تنضج فرص الحوار وعندما يحدث عكس ذلك ويكون هم المعارضة التذرع بعدم جدية الدولة فيجري ذلك في السياسة لأن المعارضة تملك بالأصل أجندة ثانية تريد الذرائع لمواصلتها ، وليس مكان النقاش حول سؤال وماذا فعلت الدولة لإحباط هذا المخطط او لمنع تدخل الخارج ؟ لأنه إذا كان الهدف تصحيحا فيجري في غرف مغلقة وعندما يجري في العلن فهو سياسة ، المهم بعدما صار في العلن اننا نناقشه بما فيه وليس بمزعوم نواياه فهو لا سياسة بحكمه على ضياع الفرصة والواقع هو تضييع مرسوم للفرصة يتجاهله الشرع لبلوغ فكرته التالية . - عندما يقول أن الحل العسكري لن يوصل إلى مكان فالمفهوم من كلامه ليس بالتاكيد مناشدة جبهة النصرة بالتوقف عن الحل العسكري ولا ابلاغ تركيا وقطر والسعودية وحلف الاطلسي بانهم عبثا ينفقون المال والسلاح ، فهم يعرفون بالوقائع والمعلومات والتقارير مدى قوة الدولة وحجم تحالفاتها وثبات هذه التحالفات وعمق المدى الشعبي المساند للدولة ويرون تهاوي تجاربهم في توسن وليبيا ومصر فلمن يوجه كلامه ؟ إذا لم يكن مضمونه ان على الدولة التي يشغل منصب نائب الرئيس فيها الكف عن الحل العسكري ؟ وما هو بديله في هذه الحالة ؟ ترك المجموعات المسلحة تعبث وتسرح وتمرح أو تتقدم ؟ أو تحتل مساحات أوسع ؟ ولأن مضمون كلامه لا يوحي انه مع هذه المعارضة المسلحة بالتأكيد وإلا لما بقي حيث هو ؟ فللكلام وظيفة وهي القول ان في الدولة من هو معترض ومعارض ولا دور له في الحل العسكري أو بالمفهوم الأميركي " لم تتلوث يداه بالدماء أو لم يشارك بتغطية المجازر التي يرتكبها النظام بحق شعبه " وبالنسبة للشعب السوري واصطفافه الحاد حول خياري المعارضة والدولة تكون نتيجة كلام الشرع كما يعرف بحسه السياسي شماتة لدى مناصري المعارضة وتشوش وارتباك لدى جمهور الدولة فهل هذا يغيب عن الشرع ؟ - عندما يدعو للتسوية التاريخية فيقترحها دولية ومحلية وهو يعلم ان الدولي أعقد وشروطه اكثر تشابكا خصوصا بعدما صارت نسبة كبيرة من المحلي مرتبطة به فهل يظن ان المطلوب إقناع الأميركيين أم الروس ليسهل ذلك ؟ وهل يظن أن الثمن المطلوب للإقناع هو فلسفي أم مصلحي ؟ وبالمصلحي من حساب من وماذا منه عند السوريين ؟ فإذا كانت ضالته الروس لتخفيف دعمهم للدولة فهو يقول برسالته هناك خط آخر في الدولة فلماذا تستمرون بدعم خط واحد فيها وتتبنون رأيه ؟ وإذا كانت للأميركيين فهو يقول زيدوا ضغوطكم فهي تجدي وها أنا اخرج للكلام وغدا يخرج غيري ؟ الإنشقاقات فشلت في إحداث شيئ جدي فتعالوا نجرب شيئا آخر ؟ فهل هذه هي وظيفة كلام الشرع ؟ - في شهر الإستعداد للتفاوض الدولي على ملفات المنطقة والعالم هل كان توقيت كلام الشرع مصادفة أم تحضير لدور ؟ وبالمناسبة ألم ينتبه الشرع وهو ينتقد هيئة التنسيق انه كرر وصفتها للحل بالدعوة لتسوية تاريخية تشترك فيها الدول الكبرى وتلاقيها تسوية سورية سورية بحكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة ؟ ونصير أما معارضة تسير بالخيار العسكري وفيها هيئة تنسيق تعترض لفظيا ولا تملك إلا الصراخ ودولة تسير بالخيار العسكري وفيها هيئة تنسيق تعترض لفظيا ولا تملك إلا الصراخ ليلتئم شمل المتفرقين من هيئتي التنسيق لاحقا في طريق إنضاج "التسوية التاريخية "على الضفتين بعد نضوجها خارجيا ؟ - في كل الحوال كلام الشرع شهادة هامة للدولة السورية وهي هدية قدمها من دون أن يقصدها تقول للعالم ما هي ذريعة المنشقين والموجودين في الخارج إذا كان نائب الرئيس يتحدث بحريته برأي مخالف وهو في موقعه وإذا لم يبق في موقعه وهذا يكون طبيعيا ان حدث فهو باق في بلده وبكامل حريته
syriadailynews
2012-12-17 15:12:56