يشهد التعاون الإقليمي في مجال الطاقة تطورًا استراتيجيًا بارزًا، حيث تواجه سوريا تحديات اقتصادية وصناعية متزايدة نتيجة سنوات الحرب والعقوبات الدولية. وفي ظل هذه الظروف، تبرز الحاجة الملحّة إلى مصادر طاقة مستقرة وآمنة، تُسهم في إعادة تنشيط الاقتصاد، تأمين الكهرباء، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، مما يجعل قطاع الطاقة محورًا رئيسيًا في جهود إعادة البناء الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تأتي المبادرة القطرية بنقل الغاز إلى سوريا عبر الأردن كإحدى المبادرات الحيوية للدوحة، وهي ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وإستراتيجية لتأمين جزء من احتياجات سوريا من الطاقة.
وتتمتع قطر بإمكانات هائلة في مجال إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، وتمتلك واحدا من أكبر احتياطيات الغاز في العالم، بينما يشكل الأردن بوابة عبور جغرافية مهمة بين دول الخليج وبلاد الشام. وفي الوقت الذي عانت فيه سوريا من نقص حاد في مصادر الطاقة نتيجة الأوضاع الأمنية والعقوبات المفروضة، فإنها في أمسّ الحاجة إلى حلول طارئة ومستدامة في آنٍ معًا.
وتبرز عمّان كأحد الأطراف الرئيسة في مشروع نقل الغاز القطري إلى سوريا عبر أراضي المملكة، مستفيدة من الموقع الجغرافي الإستراتيجي والبنية التحتية القائمة لخط الغاز العربي (الممتد من مصر جنوبا إلى الأردن ثم إلى سوريا ولبنان). وقد دخل هذا المشروع حيز الاهتمام السياسي والاقتصادي، مشكّلاً محطة إقليمية جديدة تسمح بإعادة تشكيل خريطة التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، لا سيما في قطاع الطاقة.
ويسعى الأردن -حسب مراقبين- لتأكيد مكانته الجيوسياسية كدولة عبور هامة في مشاريع الطاقة الإقليمية. ففي الوقت الذي تسعى فيه قطر لتوسيع قدرتها كمصدر رئيسي للغاز في المنطقة والعالم، تبحث سوريا عن حلول لأزمة الطاقة الخانقة التي تواجهها، ليظهر الأردن حلقة وصل ضرورية تجمع بين المورد والمستهلك، في خطوة تسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتمهد الطريق لتعاون أوسع في قطاع الطاقة والنقل والتجارة بين دول المنطقة.
وفي 13آذار الماضي، أطلقت قطر مبادرة لتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر الأردن، بهدف المساهمة في توليد الطاقة الكهربائية. وتأتي هذه المبادرة في إطار اتفاقية بين صندوق قطر للتنمية ووزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي سيتولى الإشراف على الجوانب التنفيذية للمشروع.
وقد شكلت الزيارة الثالثة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى قطر -الأسبوع الماضي- منعطفًا دبلوماسيًا واقتصاديًا بارزًا، عكس توجهًا مشتركًا بين البلدين نحو تعزيز التنسيق الثنائي وتوسيع آفاق التعاون، لا سيما في مجال الطاقة.
وقد كشف الشيباني أن هذه الزيارة أثمرت عن مجموعة من التفاهمات النوعية، أبرزها في قطاع الطاقة، حيث تم الاتفاق على توريد الغاز القطري إلى سوريا عبر الأردن، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجالي النفط والغاز، بما يشمل عقد اجتماعات تقنية مستقبلية مع شركات عالمية متخصصة.
وأثارت هذه التفاهمات تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، عقب وصف وزير الخارجية السوري لقطر بـ"الحليف الكفؤ" خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة دمشق، عقب عودته من زيارة رسمية إلى الدوحة على رأس وفد سوري رفيع.
في المقابل، أكد وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة أن الاتفاقية مع قطر تهدف إلى تزويد السوريين بجزء من احتياجاتهم من الغاز الطبيعي لتشغيل واحدة من محطات الطاقة الكهربائية الموجودة جنوب البلاد. وأوضح أن الشعب السوري يواجه تحديًا كبيرًا في توفير الطاقة الكهربائية، مبينًا أن كمية الغاز هذه ستساعد على تشغيل محطات كهربائية، بهدف رفع قدرة النظام الكهربائي السوري وتعزيزه.
وأشار الخرابشة إلى أن الاتفاق القطري السوري "ليس عقدًا تجاريًا بقدر ما هو مساعدة للأشقاء في سوريا".
من جانبه، قال المحلل والخبير في مجال الطاقة الأردني الدكتور عامر الشوبكي إن سوريا تعاني نقصًا حادًا في الغاز والنفط والكهرباء. وأشار إلى أن المنحة القطرية -التي تقضي بنقل الغاز إلى سوريا عبر صندوق قطر للتنمية- تهدف إلى توفير المزيد من الخدمات للمواطنين السوريين.
وأضاف أن الأردن يمتلك بنية تحتية متقدمة، منها محطة التغويز العائمة الموجودة في مدينة العقبة (جنوب المملكة) ومهمتها استلام الغاز المسال وتحويله وضخه إلى الجانب السوري عبر خط الغاز العربي. ويهدف المشروع إلى تعزيز الطاقة الكهربائية في سوريا بما يصل إلى 400 ميغاواط من الكهرباء يوميًا في المرحلة الأولى، على أن ترتفع القدرة الإنتاجية تدريجيًا في محطة دير علي جنوبي سوريا.
وحول الفوائد المرجوة من هذه الاتفاقية على الدول الثلاث، أوضح الشوبكي أن الجانب السوري سيستفيد من خلال توفير مليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، مما يعني زيادة التغذية الكهربائية بمعدل ساعتين إلى 4 ساعات يوميًا. وسيكون لذلك أثر إيجابي مباشر على الحياة اليومية للمواطنين السوريين من خلال دعم القطاعات الحيوية، وربما يساهم في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات