ينتظر اقتصادنا مرحلة الربيع، والنهوض، وإعادة الاقلاع. هو يئن تحت ضربات موجعة الآن، وتوقف إجباري. ومن المبكر الحديث عن تعافيه، قبل إسكات صوت الرصاص، ووجع الذبح والنهب والسرقة. لكن من الممكن أن تكون البوصلة الصحيحة، عاملاً مساعداً جداً، في رسم الطريق،  الذي لابد من التوجه إليه، وعبور جسوره الكثيرة. 

وينتظر السوريون إقلاع اقتصادهم، ودوران عجلة إنتاجه من جديد، وسماع هدير الآلات والمعامل، وطي صفحة السنوات القليلة الماضية، من عمر الأزمة، والتكفير عن ذنب ارتكبه البعض، بحق الآلات والشركات الصناعية، والمنشآت السياحية، والأراضي الزراعية التي تُركت بوراً، والأشجار التي اقتلعت أو أحرقت رغماً عنها. ننتظر أن يعود السوريون يفاخرون بعملهم وإنتاجهم، تحت شعارهم العظيم (صنع في سورية)، لا أن يتفاخروا بعدد المعامل التي توقفت عن الإنتاج، والشركات المدمرة، والخسائر المترتبة على ذلك. ذات لحظة، سيقف السوريون على أطلال اقتصادهم، يبكون سنوات مضت بلا إنتاج وعمل، وضياع أربعة عقود من التنمية. سيتمنون لو عاد الزمن إلى الوراء، للمحافظة على طحين وطنهم، وتفاح جبله، وحمضيات ساحله، وزيتون شماله، ونفط شرقه، وخضراوات وسطه وجنوبه، وقمح جزيرته. ذات يوم سيذرف السوريون ما في مآقيهم حزناً على جيل ضاع تعليمه، وتبدد مستقبله، على أطفال شاهدوا الدمار في زمن تتسابق فيه الدول على الإعمار والبناء. أيضاً، سيجلد السوريون ذواتهم، على ما ارتكبوه بحق اقتصاد وطنهم، سيصابون بالحيرة لأنهم رأوا كيف فُككت آلات وهُرِّبت، دون أن يتمكنوا من عمل شيء؟ وربما سيقفون عاجزين تماماً عن النظر بعيون بعضهم، لأنهم تركوا اقتصادهم الصاعد للتو بلا حماية، قذفوا به إلى التهلكة، نالوا منه فعلاً لا قولاً، هدموا بنيانه النامي، قلموا أظافره قبل أن تنبت، حطموا مقدراته في الوقت الذي أثير فيه تساؤل جدي: كيف نستثمر إمكاناتنا الاقتصادية؟

سورية بلا اقتصاد، هو عنوان مفزع للمرحلة القادمة، الحقيقة التي نغمض عنها أعيننا، ونتجاهل خطورتها، لأننا لا نملك إرادة التوقف، ولا نملك رغبة التقييم. هما سلبيتان تدفعان بنا إلى الهاوية، بعد فشلنا في الوقوف على حافتها، وإخفاقنا في ردم الفجوات بين الممكن و الواقع، بين المقدرات ومايتحقق، بين ما نقوله وما نفعله. سنذرف الدموع على ماتبقى من معدلات النمو، التي لم تك ترضي غرورنا. ستبقى ذكرى مهمة الـ 6% كمعدل نمو سنوي، و10 % فقراء، و 350 ألف برميل نفط يوميا، وخمسة ملايين عامل، وثلاثة ملايين طن قمحاً، وآلات الشيخ نجار ودير الزور الصناعية، ومشاريع الري الحديث. سنتساءل: ماذا حل بـ 125 مليون شجرة زيتون؟ وباليانسون الذي نتصدر المرتبة الرابعة بإنتاجه عالمياً؟ وباللوز الذي مرتبتنا الإنتاجية به الثالثة عالمياً؟ وأين المشاريع الطبية لزرع نقي العظام؟ واستيراد القرنيات؟ والتبرع بالأعضاء؟ ورغم عطب الذاكرة لن ننسى اتفاقنا على: دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومعالجة العشوائيات، وزيادة معدلات التشغيل، وخفض الزيادة المضطردة بعدد السكان، وتطوير التعليم، ومكافحة الفساد. إذ لم يتبق شيء من منجزات اقتصاد صغير، شكل جسراً يجمع آسيا بأوربا، وصلة وصل بين تقدم الغرب ونهوض الشرق.

ها هو ذا اقتصادنا، بلا عنوان، بلا مؤشرات، بلا هوية. ويحسب جريدة النور فهو اقتصاد غارق بالوحل، يتخبط برماله المتحركة، تنام عملته على سعر صرف وتستيقظ على آخر، تحولت مستودعاته ببضائعها الكاسدة إلى مخازن للمستوردات، وأيدي عماله المهرة التي تصنع الذهب تحولت إلى القابضة على الجمر. هل يمكن أن يكون هذا اقتصاد عشرة آلاف من السنوات، سجل في مدونته أول (نوتة) موسيقية، واختراع المحراث، وأول الأبجديات، ونقل الماء إلى الأعالي بالنواعير، وتحويل الصحراء (تدمر إلى مملكة قوامها التجارة،  وجعل من حلب أماً للصناعة، ومن البحصة في دمشق وادي سيلكون حقيقي؟ ربما يعود لاقتصادنا عنوانه، لحظة نعيد تصدير الكرز إلى السويد!

سيرياديلي نيوز


التعليقات