تلبية للمطالب بضرورة توفير البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمار في محافظة الحسكة وغيرها من المحافظات، أصدرت وزارة الإدارة المحلية في عام 2010 قراراً اعتبرت بموجبه 25 منطقة صناعية في مختلف المحافظات السورية بمنزلة المدن الصناعية، وشمل القرار المحافظات التي لا تضم مدناً صناعية، ومن بين المناطق الصناعية التي تضمنها القرار منطقتين في محافظة الحسكة هما المنطقة الصناعية الجديدة في مدينة الحسكة والمنطقة الصناعية في عامودا. والهدف من هذا القرار توفير المكان المناسب الذي يستطيع المستثمرون تنفيذ مشروعات استثمارية كبيرة في مختلف المجالات فيه. وفي حوار أجريناه قبل أيام مع رئيس مجلس مدينة الحسكة المحامي بسام العفين عن مشروع المنطقة الصناعية الجديدة، سألناه عما فعله المجلس لتنفيذ ذلك القرار على أرض الواقع، أي إذا جاء اليوم مستثمر إلى الحسكة وقال: أنا جاهز لتنفيذ مشروع استثماري في محافظتكم، تفضلوا خصصوني بقطعة أرض في المنطقة الصناعية الجديدة في المدينة لكي أنفذ عليها مشروعي، هل قام مجلس المدينة بتخصيص جزء من المنطقة الصناعية للمستثمرين، وهل هذا الجزء جاهز وتتوافر فيه الشروط اللازمة لتنفيذ المشروعات الاستثمارية؟. فأجاب المحامي العفين بالنفي. وحتى إذا أراد أي مستثمر شراء قطعة أرض في المحافظة، لإقامة مشروع ما عليها، فإنه سيتعرض للعديد من العقبات، على رأسها أن وزارة الزراعة تمنع إقامة أي مشروع على الأراضي الزراعية، وبما أن كل الأراضي في المحافظة تعدّ زراعية، نسأل: أين يمكن للمستثمر أن يقيم مشروعه في ظل هذا الوضع؟. تناقض بين الواقع والإمكانات وإذا كانت مشكلة عدم توافر المكان المناسب لتنفيذ المشروعات الاستثمارية، إحدى أهم العقبات  التي تمنع المستثمرين من التوجه نحو محافظة الحسكة، لتوطين استثماراتهم فيها، فإن ثمة معوقات أخرى لا تقل شأناً عن مشكلة الأرض. فحسب التقارير الصادرة عن الجهات المعنية تفتقر المحافظة إلى المقومات التي تساعد على خلق مناخ اجتماعي واقتصادي جاذب للقدرات والكفاءات البشرية، ناهيك عن الاستثمارات اللازمة لاستغلال الفرص الاقتصادية والاستثمارية المتوافرة في المحافظة، الأمر الذي جعل محافظة الحسكة منطقة طاردة للقدرات البشرية وغير محبذة لرؤوس الأموال والاستثمارات، بسبب مجموعة من العقبات الموجودة، إذ مازال الاستثمار في هذه المحافظة أقل من الطموح، على الرغم من الميزات العديدة التي تتمتع بها، فقد بلغت المشروعات المشملة بالاستثمار والمنفذة 10 مشروعات فقط في قطاع الصناعة، إلى جانب عدد من المشروعات في مجال نقل الركاب، وهذا العدد يعدّ قليلاً مقارنة مع المقومات المتوافرة للاستثمار في المحافظة من ناحية، ومع ما نفذ من مشروعات في المحافظات من ناحية أخرى. والمفارقة أن هذه الصورة لا تتناسب بل تتضارب مع الإمكانات والموارد البشرية والطبيعية المتوافرة على الأرض في هذه المحافظة، كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لها مابين دجلة والفرات، وتماس المحافظة مع تركيا كبوابة لأوروبا، وأيضاً مع العراق كمستهلك مهم لما يمكن إنتاجه في المنطقة، إلى جانب الثروة الزراعية والنفطية والغازية، كل هذه العوامل كان من المفترض أن توفر الأرضية الخصبة والملائمة لتنمية المنطقة وجعلها قطباً رئيساً في الاقتصاد الوطني. لكن ذلك لم يحصل بسبب وجود العديد من الصعوبات التي تعوق الاستثمار في هذه المحافظة، وتمنع خلق فرص استثمارية حقيقية تساهم في دفع عجلة التنمية في المنطقة. معوقات عديدة وتتوقف تقارير الجهات المعنية عند القانون رقم 10 على سبيل المثال وتعديلاته ولاحقاً  المرسوم8، والمفترض به أن يشجع الاستثمار. وتقول: إنه من جهة غير جاذب ولا مغر بالنسبة لمحافظة نائية كمحافظة الحسكة، إذا ما قورن بما هو متوافر للمستثمر من بدائل في المحافظات الأخرى، يضاف إلى ذلك المركزية الشديدة فيما يخص اتخاذ القرار، وعدم وجود آلية واضحة ومؤسساتية لإشراك المجموعات المحلية في اتخاذ القرار أو تحديد الأولويات، والروتين الإداري وما يترتب عليه من طول في إنجاز المعاملات والحصول على التراخيص المطلوبة من الجهات المعنية، عدا عما ينتج عن هذا الروتين من فساد، وكذلك عدم وجود خريطة استثمارية ومقاسم أو قطع أراض مخصصة لبيعها للمستثمرين حسب القطاعات الاستثمارية، تتوافر فيها البنية التحتية والخدمات اللازمة، أي بشكل عام غياب مخطط وخريطة للتهيئة العمرانية الشاملة. الموقع الاستراتيجي والثروة الزراعية والنفطية مرتكزات لتنمية المحافظة وتتحدث التقارير عن المواقع السياحية والأثرية والدينية والبيئية في المنطقة الشرقية، قائلة: إنها غير مستغلة ومهملة على الرغم من وجود عدد كبير منها، إلى جانب ضعف البنية التحتية الجاذبة للسياحة، إضافة إلى عدم وجود أي مخطط للتهيئة والتنمية السياحية، شأنه في ذلك شأن مخطط التهيئة العمرانية أو المدنية بصفة عامة، ورغم أن المنطقة الشرقية هي منطقة حدودية مجاورة لكل من تركيا والعراق، ويمكن أن تكون بوابة سورية الشرقية على سوق الخليج وأوروبا وحتى على إيران عبر تركيا والعراق، فإن التبادل التجاري الخارجي منها وإليها مازال ضعيفاً. ومن المعوقات أيضاً التي تتحدث عنها الجهات المعنية في تقاريرها عدم وجود مراكز للتدريب المهني المكثف، وكذلك عدم وجود مراكز لتطوير المبادرات الخاصة ودعمها. كحاضنات للمشروعات ومراكز تأهيل المستثمرين الصغار لإنشاء وإدارة مشروعاتهم، ناهيك بعدم وجود مخطط للتنمية السياحية يوفر الإطار القانوني والإداري اللازم لتحديد وتوفير الأراضي الصالحة لإقامة المنشآت السياحية على ضفاف بحيرات السدود والأنهار وحول الأوابد الأثرية، وفي البادية أيضاً لتشجيع سياحة التخييم والصيد والعادات الشعبية التقليدية كالفروسية، ومهرجانات الشعروالفلكلور والرقص الشعبي، القادرة على جذب عدد كبير من السياح سواء من المنطقة العربية أو المتطلعين إلى التعرف على ثقافات وتقاليد الشعوب الأخرى من مختلف دول العالم، وهؤلاء أكثر صرفاً ومردودية من سياح الشواطئ التقليديين، مع ضرورة لحظ إنجاز البنى التحتية والخدماتية اللازمة لتخديم هذه المواقع، يضاف إلى ذلك غياب المكاتب الخاصة بالترويج للمنتج السياحي في المنطقة وتنظيم الرحلات (TOURS OPERATORS). خطوة بحاجة إلى استكمال وإذا ما أردنا تشجيع الاستثمار في محافظة الحسكة، تؤكد الجهات المعنية في تقاريرها أنه لابد من معالجة تلك المعوقات بالسرعة الممكنة، من ذلك إعداد دراسة لمراجعة وتحديث كل المنظومة القانونية المتعلقة بتشجيع الاستثمارات ودمجها في قانون واحد. ولابد أيضاً من توحيد المعاملة لكل الاستثمارات مهما كان حجمها وميدان نشاطها، إذ إن المهم فيها أنها كلها ما كانت لتتم لولا حاجة المحافظة إليها، وكلها في النهاية توفر موارد رزق وفرص عمل. من هنا نقول: إن إحداث فرع للهيئة العامة للاستثمار في المحافظة مؤخراً، يعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح من أجل تشجيع الاستثمار في المحافظة، وذلك لأن هذا الفرع هو المكان الملائم الذي يملك الصلاحيات وآلية العمل للتنسيق مع كل الجهات المعنية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وذلك ضماناً لتوفير الآلية القانونية والإدارية لإنجاز النافذة الواحدة لقبول طلبات الترخيص أو التشميل لكل المشروعات من خلالها، وإعفاء صاحب الطلب أو المشروع من الركض بين الإدارات المختلفة للحصول على حزمة من التراخيص، أي أن رخصة أو موافقة التشميل يجب أن تكون واحدة فقط، ومقبولة رسمياً من قبل كل الجهات المعنية كالجمارك والمالية والإدارة المحلية وغيرها. إلا أن المشكلة أن هذا الفرع لم يـُمـنـَح حتى الآن صلاحيات إصدار قرارات تشميل المشروعات بقانون الاستثمار، ولاسيما أنه يمتلك قاعدة بيانات لـ 52 مشروعاً استثمارياً في مختلف المجالات، وقد تم إنجاز دراسة الجدوى الاقتصادية لخمسة مشروعات منها، وهي: معمل أعلاف طيور- مسلخ دواجن وخزن وتبريد- مصنع أدوية بيطرية- مطحنة قمح وصناعة المعكرونة والشعيرية- تحويل المخلفات الزراعية ولاسيما القطن إلى غاز يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية. إنجاز خريطة استثمارية ومن الخطوات الواجب اتخاذها إلى جانب منح فرع الاستثمار صلاحيات إصدار قرارات تشميل المشروعات، إنجاز خريطة استثمارية للمحافظة، وتوضح الجهات المعنية أنه على ضوء هذه الخريطة يتم اقتراح المطلوب من إعفاءات ومزايا جمركية وضريبية على التجهيزات والآليات والمواد الخام اللازمة لعمل المشروع، إلى جانب ما يجب عرضه من حوافز وتسهيلات تفاضلية لجذب الاستثمارات إلى المحافظة. ولابد من إعداد دراسة استشرافية، تحدد وتضع الإطار العام لما يجب القيام به، لتأهيل وتطوير المؤسسات ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي وسبل مواكبتها في المرحلة القادمة، إضافة إلى إعداد وإنجاز خطة عملية لشبكة متكاملة من حاضنات المشروعات، مواكبة ومدعمة بنظام ملائم للإقراض الصغير والمتوسط، يهدف إلى تدريب أصحاب المشروعات القائمة والمبتدئة على كيفية دراسة وإنشاء وإدارة المشروعات، ويقدم لهم الدعم المطلوب من خلال نظام الإقراض المواكب لتلك الحاضنات، على أن يترافق ذلك مع خطة لتطوير قطاع التجارة البينية والنقل بالعبور، وتفعيل المنطقة الحرة في المحافظة. ولا ننسى ضرورة دعم مؤسسات الإدارة المحلية وتأهيلها للقيام بدورها في التنمية المحلية، ومساعدة البلديات على إنجاز مخططات شاملة ومتكاملة للتهيئة العمرانية تلحظ تحديد المناطق والمدن الصناعية والسياحية، وكذلك مشروعات الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه الناتجة عنها وأوجه استعمالاتها المستقبلية، والإجراءات والمشروعات التي يجب إنجازها لحماية البيئة مثل تلك المتعلقة بجمع ومعالجة النفايات الصلبة وإعادة تدويرها. ولابد أيضاً من إعداد خطة للتنمية السياحية وتطوير المنشآت اللازمة لاستغلال الإمكانات المتوافرة، بما في ذلك تطوير السياحة النهرية وسياحة البادية، وإعداد دراسة استشرافية لقطاع النقل والمواصلات ولاسيما الطرق الدولية وخطوط السكك الحديدية اللازم تطويرها لمواكبة وتسهيل عملية التبادل التجاري وتسويق المنتجات المحلية. ومخطط تنموي شامل وأخيراً، يجب أن تتوج الإجراءات التي ذكرناها في السطور السابقة والتي يجب أن يتم إنجازها بمشاركة فعلية وفعالة ونشطة من قبل المجتمعات المحلية وفعاليات المجتمع المدني، بإعداد مخطط تنموي شامل ومتكامل للمحافظة، يتضمن ما يجب برمجته وتمويله من مشروعات قطاعية، ولحظ ذلك في الخطط الخمسية للدولة، بهدف تفعيل العملية التنموية في المنطقة ودفعها قدماً إلى الأمام. سيريا ديلي نيوز - تشرين

التعليقات