بعد ان يئست أميركا كما يبدو من اللعب بالأوراق السورية الداخلية من أجل تحقيق أهدافها العدوانية، وفقدت فرص «التغيير السلمي» بالخديعة والتضليل والتزوير، كما باتت على يقين من ان ورقة الميدان الذي يمكنها من الانقاض على الدولة السورية بنظامها ومؤسساتها وشعبها، ان هذه الورقة باتت عقيمة مع تمكن الجيش العربي السوري والقوات المسلحة المختصة من احتواء موجات الارهاب الاميركي ومنعها من الوصول الى مبتغاها، بعد كل ذلك يبدو ان اميركا ومن أجل إخفاء هزيمتها ومحدوة بمكابرة واضحة تتجه الى العمل على خطين، خط الانتقام وتخفيف وهج الانتصار السوري، وخط الاستلحاق ومعالجة الاخفاق من اجل تحقيق الاهداف.‏ عمل ينسجم مع النهج الاستعماري الغربي في التعامل مع الطريدة في البلدان المعتدى عليها، حيث ان الغرب عامة واميركا خاصة تعتمد في منهجيتها السلوكية القواعد الاربعة التالية : الاولى إسقاط الخصم بالتهويل والخداع ليستسلم لها من غير قتال، فان لم تنجح كانت القاعدة الثانية عبر تدمير الخصم عملاً باستراتيجية القوة البحتة، فان لم تنجز المطلوب واستطاع الخصم الافلات من العدوان كانت الثالثة عبر عدم الاعتراف بالهزيمة والسعي الى الانتقام من الخصم الذي هزمها، وتبقى الرابعة التي تقضي بحرمان الخصم المنتصر من استثمار انتصاره، او حتى الاحتفال به والبناء المعنوي عليه.‏ وفي الميدان السوري وكما بات واضحاً ومعلوماً من كل ذي فكر ونظر، فان اميركا لم تستطع اسقاط سورية بالانهيار الادراكي، كما انها لم تستطع السيطرة عليها واسقاطها بالانهيار في الميدان، اي انها فشلت في تطبيق القاعدتين الاولى والثانية من منهجيتها الاستعمارية، لذلك كان منتظرا ان تنتقل الى اعمال القاعدتين المتبقيتين وهذا ما نشهده الآن.‏ وعلى صعيد الخط الاول – الانتقام وتخفيف وهج الانتصار – يمكن ان نسجل المواقف الاميركية والغربية التالية:‏ القرار الاميركي بزيادة الضغط والعقوبات على سورية، واقحام حزب الله – بصفته داعماً للدولة السورية شعبا وحكماً ومؤسسات على حد الوصف الاميركي – اقحامه في العقوبات المقررة، وتبرير العقوبات ضده بانه يقدم خدمات قيادة وتخطيط ولوجستية الى الحكم السوري ما مكنه من الصمود.‏ القاء اللائمة على ايران كما على حزب الله وفقا لما تقدم، واتهامها بان دعمها هو ما مكن الرئيس الأسد من الاستمرار والصمود، ثم توعد ايران بانها لن تفلت من العقاب الاميركي خاصة والاوروبي عامة اذا تابعت دعمها لسورية، تتوعد وتهدد بعقوبات متنوعة، وتهول بين الحين والآخر بحرب ضد ايران، لاجل عزلها عن سورية.‏ تصعيد حملة النفاق والتلفيق والتزوير ضد سورية وحكومتها، الى الحد الذي بتنا نسمع في كل ساعة اختلاق خبر انشقاق هذا المسؤول او ذاك القيادي من المدنيين والعسكريين، والى الحد الذي بات يفرض انشاء دائرة سورية رسمية مختصة بملاحقة الاشاعات والاكاذيب لفضحها وتحصين الرأي العام من الوقوع في افخاخها.‏ التهديد وتسريب اخبار عن سعي غربي حثيث لاحالة مسؤولين سوريين على المحكمة الجنائية الدولية وفقا لمشيئة صهيونية غربية .‏ لقد سلكت جبهة العدوان على سورية هذا المسلك الانتقامي من أجل، حرمان سورية من استثمار انجازها، كما والتأثير على معنويات القوى التي حققته، من باب القول إن الدعم الايراني واللبناني (حزب الله) هو الذي مكن منه رغم ان اميركا تعلم يقينا ان السوريين وحدهم هم من يعمل في الميدان قيادة ومقاتلين مدافعين عن سورية، وان القوى الاخرى وبسبب عدم الحاجة أصلا الى تدخلها الميداني تكتفي بالدعم المعنوي والسياسي بشكل اساسي. وفضلا عن ذلك تريد اميركا أن تؤلم او تربك سورية وحلفاءها وتحملهم على الخوف من المستقبل الآتي، وينصرفون عن البناء على الماضي والحاضر القائم على الانجاز.‏ اما على صعيد خط العمل الثاني، فاننا نتوقف عند امور هامة متعددة الاشكال متوحدة على هدف واحد مضمونه ان اميركا لن تدع سورية تستقر وتستثمر نصرها وانها بصدد جمع اوراق جديدة من شأنها ان تعوض ما فات وهنا نسجل ما يلي:‏ القرار الاميركي الرئاسي بتكليف الـ «سي اي اي» بقيادة العدوان ميدانيا وتقديم الدعم المباشر للارهابيين وتحشيد وتجنيد عناصر جدد وضخهم في الميدان السوري.‏ انشاء وكالة اميركية متخصصة برعاية جمع التبرعات والاموال وتمويل الارهابيين وتوفير احتياجاتهم من السلاح والذخيرة والتجهيزات، بما يمكنهم من حرب عصابات وقتال استنزاف طويل يمنع سورية من الاستقرار.‏ نقل الملف السوري عربيا من اليد القطرية الى اليد السعودية، وتحديداً يد بندر بن سلطان المعين حديثاً رئيسا للمخابرات السعودية والمشهور عنه احترافه في ادارة ورعاية الارهاب ونشره وفقا للمصالح الاميركية.‏ تحريك اوراق الجوار السوري بشكل يؤدي للضغط على سورية ويمنع مسؤوليها وقواتها المختصة من متابعة العمليات الناجحة التي خاضتها ضد الارهابيين، وهنا جاءت مسألة ما قيل عن اشتباك ناري وبالاسلحة الثقيلة بين الجيش العربي السوري والجيش العربي الاردني (تبين ان ما اعلن يتخطى الحقائق) ثم كان الموقف التركي الذي يهدد وبالتنسيق التام او عملاً بالاملاء الاميركي المحكم، تلويح بانشاء مناطق حظر جوي فوق الشمال السوري او احداث خمس مناطق آمنة للارهاب على الارض السورية.‏ لقد شاءت اميركا من كل ما ذكر ان تقول بانها لن تعترف بالهزيمة وانها لن تستسلم لها وانها اعادت النظر بسياستها وحشدت اوراقاً جديدة تعول عليها من بلوغ الاهداف الاساسية للعدوان، والا وفي الحد الادنى حرمان سورية من التنعم بانتصارها.‏ ومع هذا الاصرار الاميركي الاجرامي الوقح نطرح السؤال حول نجاعة الاوراق الجديدة في تعويض اميركا ما فاتها وهنا نرى ما يلي:‏ ان خروج اميركا للقيادة العلنية للعدوان، لن يغير في واقع الحال شيئا لان العارفين ببواطن الامور يعلمون ومن اللحظة الاولى ان العدوان على سورية هو عدوان اميركي قيادة وخطة وسيطرة وان كل من ظهر على المسرح العدواني لم يكن الا اداة او تابعاً او ذنباً.‏ ان الاعلان عن مؤسسة ترعى تمويل الارهابيين وتسليحهم، ليس من شأنه احداث تغيير في القدرات لدى الارهابيين لان قطر والسعودية اغدقتا عليهم فوق حاجاتهم من الاموال الى الحد الذي تسببت وفرة المال بانصراف بعض السارقين والمرتزقة عن الميدان والقاء السلاح والهرب بهذا القدر او ذاك من المال.‏ ان تحريك ملفات الجوار السوري لا يبدو انه قادر على تحقيق الضغط المطلوب والكل يعرف مدى الاعورار في الحالة الاردنية التي لن يغامر الملك هناك بعرشه ويقبل بالذهاب بعيدا في تحريكها، اما ملف الوزير سماحة والذي يمكن ان يكون استنساخا لملف قتل رفيق الحريري وابتزاز سورية عبره، فاننا نرى ان تغير الظروف والاحوال من شأنه ان يمنع نجاح الاستنساخ، وعلى الجبهة التركية تعلم اميركا انها لن تستطيع ان تذهب بعيدا في هذا الشأن والا كانت الحرب التي تخشاها والتي ستشمل المنطقة.‏ بناء على ما تقدم لا نرى في اوراق اميركا الجديدة التي جهزتها ضد سورية ما يمكن من القول بان اميركا قادرة على تعويض الخيبة، بل يجعلنا نتمسك بما كنا نراه، قبل اشهر، لجهة القول بان نتائج المواجهة مضمونة لمصلحة سورية وحلفائها رغم ان مهل الانتهاء منها ليست قصيرة وان الثمن ليس متدنياً.‏ سيريا ديلي نيوز - صحيفة الثورة

التعليقات