تطالعك دمشق وسواها من مدن سورية.. تنفض في صباحاتها ما علق من كذبهم أو ماتبقى من تضليلهم.. وتستعيد ما هدأ منها أو كاد فيما يوغل الكذب الإعلامي اصطياده بالماء العكر.. وينقل قناصاته من كتف إلى كتف دون أن يرف له جفن، ويحاكي «بروباغندا» أشبعت في التحليل والتدقيق والاستنتاج، واستنفدت أغراضها إلى حدود الاستهلاك، لكنها لم تمل بعد من سرد افتراءاتها وتسويق فبركاتها وبالنمط ذاته.

في قراءة المشهد ثمة احتمالان يخيمان.. الأول ينحو باتجاه الحدث عن أن امبراطوريات الضخ الإعلامي لا تملك من قرارها إلا تنفيذ أمر العمليات، واعتراضاتها المهنية والتسويقية لا تجد أذناً صاغية من صانع القرار الذي يديرها، فيما الثاني يؤكد عجزاً واضحاً في إيجاد بدائل منطقية يمكن اعتمادها بعد أن فشلت جميع الخيارات.‏

من الناحية المنطقية فإن الاحتمالين يبدوان عاجزين عن تقديم تفسير يرقى إلى مرتبة المحاكاة العقلية، لكن في مناخ الكذب والافتراء السائد الذي انتهك كل شيء وداس على المواثيق والمعايير وأسس المهنية، فإن للاحتمالين نصيباً وافراً يمكن الاستدلال عليه.‏

لذلك لم يعد تغيير الكتف والتصويب بالطريقة نفسها مستغرباً، حين يفشل في قنص هنا فسرعان مايتحرك لقنص هناك وبالرتم ذاته.‏

وقد يكون السؤال المحير.. أما يئست بعد كل هذا الابتذال.. أما شبعت بعد كل هذا الدم الذي كانت شريكاً مباشراً في سفكه.. ألم تتعظ بعد بأن ما اقترفته لن يمر دون عقاب طال الزمن أم قصر.. ولن يكون دون حساب نجحت في تنفيذ أمر العمليات أم فشلت.. تمكنت أن تنال إعجاب وتصفيق مشغليها أم لم تتمكن.؟!‏

في الإجابات التي تحكيها وبالتفصيل كواليس التقارير الغربية أن مجرى الأحداث يحضّر في وقت قريب مآزق سيكون من الصعب تخطيها، حيث تفقد لغة الكذب فعاليتها ويبطل تأثيرها.. لأن الكذب الدائر وبالرتم ذاته بات اليوم يثير استغراب حتى المشاركين فيه، ومنهم من أعلن توبته، ولو كان بعد فوات الأوان.. ومنهم من يتساءل بمرارة عن النهاية التي آلت اليها أحلام وشعارات وطموحات كتبتها نيات مُغرر بها وصنعتها رغبات تم استغلالها.‏

اللافت وسط هذا الركام أن التعمية السياسية تمارس سطوتها وتستمر في ممارسة حالة الاستلاب تجاه الأفكار والممارسات، ويبدو القابعون وسط الزوبعة والذين يواجهون أعتى هجمة وأشرس حملة..وحدهم القادرون على التفريق بين الادعاء والكذب وبين الحقائق التي تؤشر إليها المعطيات والتطورات على الأرض.‏

إذ لم يعد من الغريب أن نجد أن مأزق الإفلاس في السياسة تترجمه تطورات الأرض بانفكاك عقد الإرهابيين وقد تبعثرت صفوفهم.. وحين اقتربت من إعلان الهزيمة كان الكذب الإعلامي ينقل قناصاته إلى الكتف الآخر موجهاً الأنظار باتجاه جديد، مع تكرار في الأسلوب والنمط والطريقة.‏

وبالقدر ذاته نجد أن السياسة هي أيضاً تنقل ملفاتهاوتعيد ترتيب أولوياتها وتستحضر أوراقاً جديدة بعد أن احترقت بيديها.. ولم يعد من المجدي استخدامها.‏

في مطلق الأحوال سيسجل التاريخ يوماً ماكتبته تلك الحملة وماسطرته من مفارقات يصعب تجاهلها، وسيسجل فوقها أن الأكاذيب هي مهنة قنوات احترفت القتل والدموية طريقاً ومنهجاً.. وسيسجل أن خط المواجهة لم يتوقف للحظة.. وأن كل هذا الإرهاب.. الدموي والسياسي والاعلامي والدبلوماسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي قد مرّ من هنا.. وسجل في يومياته ما اقترفه.. ووثّق تفاصيل إجرامه.. لكن لن يجد سطراً واحداً يقول من خلاله إنه استطاع أن يترك بصمته.. أو أنه تمكن أن يزعزع ثقة السوريين أو أن يؤثر في معنويات مؤسساتهم العسكرية والأمنية والاقتصادية والاعلامية والاجتماعية.. ولا أن يزرع ماعمل عليه من فتنة.. وماحرض عليه.‏

هنا كذبوا.. وهنا مارسوا افتراءهم دون توقف.. نفذوا إرهابهم.. وأجندات العدوان جميعها.. لكنهم عجزوا أن يمكثوا.. أن يثبتوا .. وذهبوا.. لكن سيبقى في الذاكرة درساً لما هو قادم فقط.. وسيبقى عبرة لكثير من العمل الذي ننتظره!!‏

وفيما الأسئلة تتوافد تباعاً عن القادم.. واتجاهاته.. فإن الجواب يأتي من هناك..راقبوا اهتزازاتهم وارتباكهم.. وحجم الخذلان الذي أصابهم.. ومساحة الخيبة التي ارتسمت على وجوه صانعي الإرهاب ورعاته ومدبريه ومنفذيه.. وستجدون تفاصيل كل ما تبحثون عنه.. ومن لم يجد ضالته في الإجابة أو من لم يشبع فضوله، يستطيع أن يتأكد عبر هذه الهامات لجيشنا العربي السوري التي تنتصب، والسواعد المفتولة التي تلاحق فلول مرتزقتهم وصانعيهم، والقلوب المؤمنة بهذا الوطن وقدسية الحفاظ عليه واستعدادها للتضحية من أجله.‏

بقلم: علي قاسم

syriadailynews

التعليقات