ضمن المتغيرات العالمية التي حدثت في مجال الاتصال والإعلام وخاصة منها وسائل الميديا نجد أن التطور الحاصل في وسائل الإعلام لم يتمكن بعد من تحقيق الغاية المرجوة منه إلا بالشيء القليل والنادر، وفي ظل دخول الإعلام الإلكتروني إلى قائمة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية نجد بأنه تحول إلى مجرد ناقل للأخبار التي ترِد في وسائل الإعلام الأخرى، ويلاحظ المتابع لهذه المواقع إنه رغم كثرتها إلا أنها لم تتمكن من إنشاء بصمة خاصة بها تُميزها أو تضيف لها قيمة تضاهي من خلالها وسائل الإعلام الأخرى، حتى باتت هذه المواقع متشابهة المضمون والمظهر، وباتت أقرب إلى عمليات التجميل التي تخضع لها بعض النسوة حيث نجد أن كل من يقوم بعمليات التجميل يتحولون لأشخاص متشابهين لدرجة إنه لا يمكن التفريق بينهم في ملامح الوجه، كذلك الأمر في المواقع الإلكترونية حيث نجد إن كثرتها وتعدد أنماطها بات يخلق فوضى بصرية وفكرية، وبفضل النسخ واللصق تحولت المواقع إلى ناقلة من بعضها، وبالتالي تم إلغاء معايير الإعلام وبات ضخ الأخبار يتم دون وجود انتقائية للأخبار الواردة، وبعض المواقع تتجاهل ذكر مصدر الخبر أو كاتب الخبر، وكأن الغاية نشر الأخبار "رشاً ودراكاً" متناسين في ذلك أن لكل صحيفة أو مجلة موقعها الإلكتروني الخاص، فأين التميز الحاصل في المواقع الإلكترونية، وأين الرقابة التي يتوجب فرضها ومتابعتها على هذه المواقع؟
حتى أن الكثير من الأخبار التي كانت ترد في هذه المواقع المجهولة المصدر كانت تتحول من شائعات إلى أخبار موثوقة بفضل تناقلها بين المواقع، وعلى مبدأ (اكذب اكذب في النهاية سيصدقونك)، بدأنا نشهد فوضى التحرير ونشر الأخبار بحيث لا رقابة مهنية ولا جهات مسؤولة متابعة لفوضى ما يحدث.
وهنا أذكر خبراً نقله أحد المواقع الإلكترونية مفاده بأن سورية طرحت نقوداً جديدة طُبعت في روسيا يتم تداولها بكميات تجريبية في دمشق وحلب، وبالطبع لم تكلّف المواقع الإلكترونية عناء البحث والاستقصاء لمعرفة مدى مصداقية الخبر وسؤال فروع البنوك إذا وصلتهم هكذا عملة، تم نشر الخبر على كل المواقع السورية، وبالطبع الحق هنا لا يقع فقط على المواقع الإلكترونية إنما أيضاً على المسؤولين الذين يتأخرون في نفي الخبر أو تأكيده، إضافة إلى أن الكثيرين منهم لا يقومون بالرد على الخبر رغم عدم مصداقيته، تاركين الحبل على الغارب.
وهنا أشير إلى خبر نُشر مؤخراً حول نية وزارة الاقتصاد والتجارة لإلغاء تحرير عشر سلع، وكان الخبر نقلاً عن تصريح لمديرة الأسعار؛ لكن حين سؤالي ومتابعتي للخبر نفت مديرة الأسعار قولها ذلك بحجة أن الأمر يحتاج لموافقة من رئاسة مجلس الوزراء، ورفضت إجراء لقاءٍ لنفي الخبر حتى أنها أوضحت أنها لم تقرأ الخبر وبأن المحرر صاغ الخبر بحسب رأيه، وهنا لا يمكن للقارئ إلا وأن يتساءل إن كان التصريح موثقاً لمَ يتم نفي الخبر من قبل الجهة التي تم نقل الخبر عنها؟، وفي ذات الوقت لمَ الاستهتار بعدم المتابعة لما يُكتب ويتم نقله في وسائل الإعلام خاصة حينما يكون الخبر خاطئاً، بالإضافة لذلك نجد أن هناك آلية يتبعها بعض المسؤولين حيث يقومون بتسريب خبر لأحد المحررين ويقال إنه مصدر خاص دون ذكر الاسم، وحين يثير الخبر جدلاً ويخلق فوضى تُصدر الجهة المعنية خبراً بالنفي بعد طول انتظار، لنجد بعد مضي الوقت وحدوث التخبط بين مدى مصداقية الخبر ونفيه أن الخبر تحول إلى واقع وكل ما في الأمر هو تمهيد لخطوة استباقية ومعرفة آثار اتخاذها، وبالتالي نجد أن المواقع الإلكترونية باتت منبراً لنقل الشائعات وتحويلها لأخبار، متناسيين إنه "ما كل ما يسمع يكتب"..
وهنا أود الإشارة إلى أمرٍ مهم وهو ظاهرة الكسل الصحفي إن جاز التعبير حيث أن العديد من المحررين الصحفيين اعتادوا مؤخراً على أخذ الأخبار من المواقع الإلكترونية ونشرها دون القيام بتحريرها أو تتبّع مصدرها فقط نسخ ولصق. وبدأنا نقرأ بين يوم وليلة عن خبر تدشين صحيفة إلكترونية جديدة في المنطقة، كل من أصبح وأمسى محرراً في صحيفة انشقّ وابتعد عن هذه الصحيفة وذهب ليفتح صحيفة إلكترونية جديدة من أجل أن يحصل على مسمى رئيس تحرير. ما هكذا تورد الإبل، فالقارئ لا يريد هذه التفرقة وهذا التشتت الصحفي الإعلامي التي ذهبت وتطايرت أوراق ثقافاته ومعلوماته فيه، في مهب عاصف من الريح ولا ننسى, أن حتى (البعض) من كُتـابنا الأفاضل ساعدوا تلك الصحف في انتشار "التشتت الذهني"..
أتمنى أن نعمل كإعلاميين على الارتقاء بذائقة الفكر الثقافي والمهني المتخصص لا أن نتحول إلى مجرد ناسخين، خاصة وأن المتلقي من حقه أن يجد الفائدة والتميّز في وسائل الإعلام التي ينتقيها.
المصدر: الأزمنة
syriadailynews

التعليقات