فى أى زمان ومكان تكون الأزمات الاقتصادية والتناحر السياسى بمثابة الباب الخلفى لتسلل الجماعات الدينية المتطرفة وهذا ما حدث فى تركية التى يسيطر عليها فصيل الإخوان المتمثل فى حزب اردوغان حزب «العدالة والتنمية»؛ فلقد كانت فترة الفوضى أو «الحرب الداخلية» التي مرت بها تركيا خلال سبعينيات القرن الماضي، بيئة مناسبة لخلق الجماعات الدينية بدون مراقبة من حكومات تلك الحقبة، التي انشغلت بالأزمات الاقتصادية والسياسية.

 

إلى جانب أنها دعمته كوسيلة للوقوف أمام التمدد الشيوعي اليساري، تنفست الجماعات الدينية في تركيا الصعداء، مطلع الثمانينات وحتى عام 1997، وأخذت بالانتشار.
ولعل وثيقة الحداثة الدينية والتى كان الهدف منها تحديد الخطوط الأساسية للشريعة الإسلامية في تركيا، لمحاربة أي تيار ديني مغايراً للفكر الديني الرسمي الذي تتبناه الدولة هى البداية الفعلية، مع الأخذ فى الاعتبار الدور الذى لعبه وصول الحزب الديمقراطي عام 1950 إلى سدة الحكم الذى خاطب الغريزة الدينية لدى المواطنين المقربين من التيارات الدينية ومنحهم كماً من الحقوق، وبعد انقلاب عام 1961، سار حزب العدالة على هذا النهج، وبدأ تأثير الجماعات الدينية في مسار الحياة السياسية في تركيا، وإن لم يكن بشكل مباشر بل من خلال أحزاب وُصفت باليمينية المتوسطة، تزامناً مع انفتاح الباب الديمقراطي في تركيا عام 1950.
ويعدّ حزب النظام القومي الذي تأسس عام 1970، أول أحزاب الإسلام السياسي الواضحة في تركيا. ثم حزب السلامة القومي التي تبنّت الفكر الإسلامي للحكم السياسي، ولكن الوصول الرسمي للإسلام السياسي إلى تركيا، كان عام 1973، من خلال التحالف مع حزب الشعب الجمهوري.
وفي عام 1996، وصل الإسلام السياسي إلى الحكم من جديد عبر تأسيس حكومة توافقية مع حزب «الطريق القويم». وبظهور حزب «العدالة والتنمية»، اتجهت أنظار مناصري فكر الإسلام السياسي نحوه، كبديل لحزب الوطن الأم، وحزب «الطريق القويم»، وحزب «الرفاه»، وحزب «الحركة القومية»، وكان لنجاح رجب طيب أردوغان في تقديم خدمات مميزة خلال رئاسته لبلدية إسطنبول، سبباً في تصويت 35% من المواطنين لصالح حزب العدالة والتنمية في أول انتخابات يخوضها بعد تأسيسه.
وللأسف إن دعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وعدم وجود بديل له، ساهم في إبقائه على سدة الحكم بأصوات عدد كبير من المواطنين حاملين فكر الإسلام السياسي والفكر القومي، إلى جانب بعض المواطنين الأكراد.
وللأسف أن أردوغان ومن على شاكلته وإن أختلف معه سياسياً مثل حزب التحرير الإسلامي يرون ويعملون على إعادة الخلافة الإسلامية.
وفى الحقيقة إن الإسلام السياسي في تركيا نُقل إلى الساحة السياسية، من خلال حزب النظام القومي، ومن ثم حزب السلامة القومي، مروراً بحزب الرفاه، ومن ثم حزب الفضيلة، وأخيراً حزب العدالة والتنمية، ببراعة سياسية براجماتية أظهرته كحزب محافظ يتبنّى نهج الإسلام السياسي، لكن بعيداً عن التعصب أو حمل فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية، بل من خلال المحافظة على العادات والتقاليد المحافظة، والتراث الإسلامي، ومنح المواطنين المحافظين حقهم في ممارسة طقوسهم الدينية.
وساعد على ذلك تغيّر التوجه الفكري لدى نسبة كبيرة من المواطنين الأتراك الذين باتوا يتبنّون الفكر القومي الرامي إلى الحفاظ على الجمهورية، مع تطبيق بعض من الأحكام الشرعية المواكبة للعصر، واللعب من وقت الى أخر مع بعض القوى على فكرة تأسيس الخلافة.
وفى الواقع أن تصاعد أنشطة التطرّف العنيف بتركيا، وخاصة التشدد الدينى، وتنامى دور التيارات المتطرفة فى أوساط المجتمع التركى، يأتى فى ظل السياسات التى تتبناها حكومة حزب العدالة والتنمية؛ وسماحها للحركات الارهابية بالتحرك بكل سهولة داخل الأراضى التركية وتزايد أعداد الأتراك المنضمين إليهم 3000 عنصر تركى منهم 1000 عنصر بتنظيم داعش.
إلى جانب التنسيق مع المنظمات الإرهابية، مما أدى إلى هجرة العناصر المتطرفة إلى المدن التركية. ولا ننسى توغل عناصر التيارات الإسلامية بتركيا داخل مؤسسات الدولة وخاصة الأمنية والتعليمية والدبلوماسية والسياسية، والسعى إلى تغيير صياغة الدستور التركى على نحو ينسجم مع هوية تركيا الإسلامية.

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات