على “بوستر” إعلاني ترويجي لإحدى شركات أو مكاتب السياحة والسفر السورية، كُتب هذا الرقم 2550، وتحته مباشرة كُتب “الدفع بالليرة السورية”.
ما لفتنا وأثار حفيظتنا أن الرقم الآنف لم يُتبع بالوحدة التي تدلّ على ماهيته، مع أننا علمنا سلفاً أن الوحدة هي الدولار، لكن تحسباً ومن باب قطع الشك باليقين تأكدنا من ذلك، عبر اتصال مع الجهة المُعلنة.
إذاً إنها “رحلة إلى ماليزيا” مهرها 2550 دولاراً، عداً ونقداً، وبحساب سعر صرف تلك الدولارات على السعر الرسمي بعد زيادته مؤخراً، يكون المبلغ 7.175.700 ليرة سورية حصراً، أما على سعر السوق السوداء فالمبلغ سيزداد بمقدار النصف.
أكثر من سبعة أو 10 ملايين ليرة تكلفة تلك الرحلة للشخص الواحد البالغ و2359 للأطفال، مبلغ بهذا الكم، يدعونا للتفكر والسؤال: هل سورية وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وبعد أكثر من 10 أعوام من الحرب الإرهابية القذرة عليها، يمكن أن تكون دولة مصدّرة للسياح، وهي لا تزال تلملم جراحها المؤلمة جداً؟!.
الإجابة عن السؤال نقولها وبمرارة: نعم؛ ليس لأن هناك من لا يزال قادراً على السياحة، بل لأن هناك من يطاوعه قلبه وضميره أن “يتسوَّح” خارج حدود وطنه المكلوم، حتى ولو كان على حساب مصلحة بلده وأهله ممن يعملون في هذا القطاع.
ولعلّ عتبنا الكبير ينبع من أن إيجابية مؤشر قدرة السوري المقتدر على السياحة، لا تُصرف ويتمّ ترجمتها على أرض الحضارات والرسالات والطبيعة والمناخ المتنوع، وإنما خارج تلك المقومات، ليستفاد منها غيرنا من دول وشعوب واقتصاديات!!.
مبلغ الـ 2550 دولاراً للشخص الواحد، ولا نعلم كم سيكون العدد في تلك الرحلة السياحية، وعلى الخطوط القطرية بعد العبور إلى لبنان ومنه، يشكل في حال تكراره مثلاً 30 أو 50 مرة، كماً مالياً مهماً، وهذا فقط دون أن نحسب النفقات الإضافية التي سينفقها كل سوري في تلك الرحلة.
مبلغ قد يصل إلى أكثر من 100 ألف دولار – حسب العدد – لو تمّ إنفاقه في الوطن ومنشآته السياحية وعلى صناعاته التقليدية والتراثية ومنتجاته الزراعية، و.. و.. وعلى العاملين فيها وبها، لساهم في دعم وإنعاش وتنمية عدة قطاعات.
نعم نعلم أن صناعتنا السياحية لا تزال تقليدية ومنتجاتها وبرامجها رتيبة، وبحاجة للكثير كي تصل لتكون قادرة على تلبية المتطلبات السياحية المختلفة المحفزة للتسوح والإنفاق، لكن هذا لا يمنع، بل ويجب أن يكون واجباً علينا كلنا لنكون سنداً لسياحتنا واقتصادنا، وخاصة في هكذا مرحلة مصيرية، نشهد فيها ما تواجهه حتى الدول القوية والمتقدمة والمتطورة من تحديات معدلات ضخمة وكساد يهددان استقرارها الاجتماعي والاقتصادي.
ليس أخيراً، نذكّر لعلّ في الذكرى عبرة..، في ثمانينيات القرن الماضي انخفض سعر صرف الفرنك الفرنسي أمام الدولار، فكان قرار حكومة فرانسوا ميتران، عدم قيام أي فرنسي برحلة سياحية خارج فرنسا، وفعلاً التزم الشعب الفرنسي قبل شركات سياحته بالقرار، وخلال عام واحد أعيد للفرنك قوته وقيمته أمام الدولار.
يؤسفنا أن نُحاضر بمن يتوجب أن يكون حاضراً ليساهم في إعادة قيامة سورية لتكون له قبل غيره، قِبلة اقتصادية وسياحية وصناعية وتجارية، ولنعيد تجديد وتأكيد مطلب أن تكون سياحتنا الداخلية رافعة وازنة لنهضة صناعة سياحية نستحقها، تليق بنا كشعب ووطن.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات