بعيداً عن تكاليف الحمل فترة تسعة أشهر، من غذاء وأدوية وفيتامينات وزيارات دورية للأطباء في كل شهر، حالة من الاستنفار والتجهيز والقلق والاستعداد المادي- وهذا الأهم والأصعب بالتأكيد- يقوم بها الأزواج مع اقتراب وصول طفلهم المنتظر في الأشهر الأخيرة من الحمل، وكل هذا الاستنفار ما هو إلّا استعداد للعبارة «صار وقت الولادة».
قد تكون هذه الأمور «عادية جداً» لأي زوجين حول العالم يريدان الإنجاب واستكمال تكوين أسرتهم، ولكنها في سورية عبارة عن حلم لكل رجل وامرأة، ويحتاجان لخطة استراتيجية، ودراسة كثيفة ومعمقة، ويجب عليهما استخدام الورقة والقلم للقيام بعملية حسابية لدراسة ميزانيتهما جيداً لتحقيق ذلك!
لأن فكرة الإنجاب بحد ذاتها تعني ملايين من الليرات، أي تكاليف باهظة ما بين رعاية الأم والجنين فترة الحمل والتحضير لـ«ديارة» الطفل القادم، وبين أجور المشافي والأطباء، التي كانت وما زالت عبارة عن متاجر لجني الأموال الهائلة على حساب صحة الناس وعافيتهم، وربما على حساب «أحلامهم أيضاً».
تجهيزات ما قبل الولادة
بما أن شبح ارتفاع الأسعار لامس كل شيء في حياة المواطن اليوم، فمن الطبيعي أن يلامس الارتفاع الفاحش ألبسة المولود الجديد، أو ما تسمى بالـ «ديارة»، التي باتت تكلف 100 ألف ليرة بالحد الأدنى، إضافةً للمستلزمات الأخرى، مثل: الرضّاعات والأغطية... إلخ، وبالتأكيد سيزداد العبء وتزداد التكلفة إن كانت الولادة في فصل الشتاء- بشتاء سورية الخالي من جميع أنواع وسائل التدفئة.
إضافة لذلك، فيجري التحضير والتجهيز والتخزين أيضاً للمستلزمات الأكثر أهمية في هذه المرحلة، وهو التحضير لعبوات الحليب وأكياس «الحفاضات».
سابقاً، كانت الأمهات تعتمدن على الرضاعة الطبيعية فقط لتغذية أطفالهم، شرط بأن تهتم بغذائها جيداً كي يكتفي الطفل من الرضاعة الطبيعية. أما اليوم وبسبب سوء التغذية الحاصل، بالإجبار والإفقار الذي يعيشه غالبية السوريين، فلم تعد المرأة المرضعة تستطيع الحصول على الغذاء الكافي لها، ولا يمكنها بالتالي حتى من إشباع طفلها، ولهذا فإن الاعتماد الأساسي أصبح على الرضاعة الصناعية «حليب بودرة»، إن لم يتم احتكاره طبعاً.
فقد تراوحت أسعار علب الحليب اليوم ذات السعة «400 غ» بين 10 آلاف و17 ألفاً للنوعية المتوسطة، وأكثر من 17 ألفاً للنوعيات الجيدة، والعلبة الواحدة تكفي الطفل لـ 6 أيام تقريباً، أي إنه بحاجة لـ 5 علب حليب بالشهر الأول، أي وسطياً بحاجة بين 50 و85 ألفاً بالشهر ثمن حليب فقط!
أما بالنسبة لأكياس «الحفاضات»، فقد تراوحت أسعارها بين 9 و10 آلاف للكيلو الواحد، وبين 15 و16 ألفاً للكيلو الواحد من الحفاضات الاقتصادية، وتقريباً كل خمسة أيام الطفل بحاجة لكيلو، أي وسيطاً بالشهر يحتاج بين 90 و96 ألفاً شهرياً!
إضافة لذلك، قد يحتاج الطفل لطبيب الأطفال، الذي وصلت معاينته اليوم لـ 15 ألفاً- وقد يحتاج لبعض الأدوية في أيامه الأولى.
وبهذه الحسبة البسيطة، الرياضية والمكلفة جيبياً، نرى أن التحضير للشهر الأول من قدوم الطفل بحاجة لأكثر من نصف مليون ليرة!
مع التنويه أن الاستهلاك، وبالتالي التكلفة، يختلف باختلاف العمر، وبالتالي فإن التكلفة تزداد شهرياً.
مرحلة الولادة
عند الاقتراب من اليوم الموعود «يوم الولادة» يجب التحضير جيداً- تحضير «الجيبة» والكثير من مئات الآلاف إن كانت ولادة طبيعية، أما إذا كانت الولادة قيصرية فيجب تحضير الملايين، وخاصة في حال كانت الولادة في إحدى المشافي الخاصة، ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن مشفى للولادة.
وبما أن عملية الولادة باتت مصدر ربحٍ في يومنا هذا، فهناك الكثير من أطباء النسائية يصرون على النساء المقبلات على الولادة بوجوب عمل ولادة قيصرية بدلاً من الطبيعية، حتى وإن لم تكن بحاجة للعملية القيصرية، لتقاضي مبالغ استغلالية إضافية، والعوائد الكبيرة التي تدخل جيب الطبيب بالنتيجة!
فبعض الأطباء أصبحوا اليوم تجاراً، والعمليات القيصرية هي إحدى صفقاتهم التجارية الرابحة!
وقد قمنا برصد لأجور بعض المشافي الخاصة في دمشق.
فللولادة الطبيعية تبدأ أجور المشافي من 200 ألف، لتصل إلى 400 ألف في بعض المشافي، حسب درجة المشفى وأجور الطبيب (دون منامة طبعاً) وهناك مشافٍ تكلفتها أكثر من ذلك.
أما بالنسبة للولادة القيصرية فهنا تكمن الضربة القاضية، فأقل أجور تبدأ من 700 ألف ليرة، لتصل لأكثر من مليون و300 ألف ليرة سورية بالحد الأدنى في بعض المشافي ذات النجوم العديدة، وبحال الاضطرار للمبيت فإن هذه التكلفة تزداد، فكل ليلة في المشفى تكلف 300 ألف ليرة بالحد الأدنى، أما مشافي مستوى الـ«هايهاي» للنخبة المخملية فحدث بلا حرج عن تكاليف حجز الأجنحة والأقسام فيها!
وبالتأكيد، هذه الأجور لا تشمل «البخاشيش» والـ «تحليات لقدوم المولود»، ناهيك عن تكاليف التحاليل والأدوية إلخ..
مليون أو مليونا ليرة فقط
مجموع التكاليف والحسابات السابقة، لمرحلة ما قبل الولادة ولمرحلة الولادة، تقدر بأكثر من مليون ليرة للولادة الطبيعية، وأكثر من مليوني ليرة للولادة القيصرية، وهي فقط لهاتين المرحلتين بالحدود الدنيا، أي إنها تغطي فترة مؤقتة، لأنها تغطي حتى الشهر الأول من عمر المولود فقط، مثل: تحضير الـ «ديارة»... إلخ، ولكن المصيبة عند الآباء هي بالمصاريف الباهظة والمستمرة التي تلازم الطفل لفترات طويلة، مثل: الحليب وأكياس «الحفوضات»، إن لم يكن هناك مصاريف إضافية لسلامة الأم الصحية أيضاً.
المولود الجديد عبء غير مفرح!
اليوم، ومع الازدياد الفاحش للأسعار، لم تعد فكرة قدوم مولود جديد للعائلة- غير العائلات الناهبة طبعاً- فكرة مفرحة، لأن هذه الفكرة (الجميلة سابقاً) باتت عبئأ إضافياً كبيراً يقع على عاتق الأبوين في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية، واحتكار الحيتان للأدوية والمستلزمات الطبية، وتحوّل مهنة الطب عند أغلب الأطباء إلى تجارة مربحة ذات عوائد ضخمة، دون رقيب أو حسيب!
فالعبارة الشعبية «بيجي الولد.. وبتجي رزقتو معو» لم تعد صالحة في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الظالمة والسائدة، بل تحولت هذه المقولة لـ«الولد صار خربان بيت!».

سيريا ديلي نيوز


التعليقات