بالنظر إلى الحجم المحدود حالياً للاقتصاد السوري، فإنَّ أي مبلغ يمكن أن ينعكس إيجاباً على سعر الصرف، والذي شهد مع الإعلان عن زيارة الرئيس الأسد للإمارات تحسناً قدره 120-130 ليرة في السوق الموازية.
حسمت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة كثيراً من الجدل الذي أثير خلال الأشهر القليلة الماضية، والمتعلّق بجدية الانفتاح العربي السياسي على دمشق، ولا سيما أنَّ الحديث عن استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية لم يُترجم فعلياً بقرار رسمي من الجامعة التي بقي معظم أعضائها يؤيدون سراً أو علانية العودة السورية، فيما لا تزال قطر متمسكة بموقفها الرافض لذلك، على الأقل إعلامياً.
وبانتظار الحدث الثاني، الذي يتوقع أيضاً أن يكون محوره دولة خليجية أخرى، فإن أكثر ما يشغل اهتمام الشارع السوري يتركز على "الارتدادات" الاقتصادية المحتملة لمثل هذا الانفتاح السياسي العربي على الوضع الاقتصادي المحلي، والذي وصل تدهوره إلى مستويات مقلقة، إذ يعاني المواطن السوري صعوبة بالغة في تأمين أبسط احتياجاته الأساسية، في حين لا تزال الحكومة السورية تواجه مشاكل عديدة، كالتراجع الكبير في وارداتها من القطع الأجنبي وانخفاض الإيرادات المحلية، مقابل ارتفاع تكاليف الاستيراد بسبب العقوبات الغربية، والتأثيرات الأخيرة التي طالت الأسواق العالمية على خلفية الأزمة في أوكرانيا.
انفتاح حقيقي وجدّي
يمكن القول إنَّ الانفتاح السياسيّ العربيّ على دمشق، والذي ترجم خلال الفترة الماضية باتصالات هاتفية وزيارات رسمية متبادلة بين دمشق وبعض العواصم العربية، كان مدخله اقتصادياً غالباً، فالتبادل التجاري بين سوريا ومحيطها العربي لم ينقطع طيلة سنوات الحرب، وإن كان قد تراجع عن السابق لأسباب مرتبطة بالتطورات الميدانية والاقتصادية في الساحة السورية من جهة، والضغوط الأميركية التي مورست على بعض الدول العربية منذ بداية العام 2019، بهدف تشديد الحصار الاقتصادي على دمشق، من جهة أخرى.
هذا الاستنتاج كان أكثر وضوحاً مع توجه القيادة الأردنية إلى إعادة تطبيع علاقاتها السياسية مع دمشق، عبر إحياء العمل بمشروعي خط الغاز العربي والربط الكهربائي العربي، وذلك بغية نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
لكن محدودية خطوات التعاون الاقتصادي المعلن - ومثاله التقارب السوري الإماراتي الذي لم يثمر اقتصادياً منذ زيارة وزير الخارجية عبد الله بن زايد إلى دمشق سوى مشروع استثماري واحد في مجال الطاقة الكهروضوئية، وكذلك بطء تنفيذ مشروعات أخرى، كنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان - ولّد قناعة كبيرة مفادها أنَّ "سقف" الانفتاح الاقتصادي العربي على سوريا لن يتعدى الخطوات التي تمت في الفترة الماضية، ولا سيما أن الموقف الأميركي من دمشق لم يتغير.
في دمشق، ثمة تأكيد سياسي على أن الانفتاح الاقتصادي العربي على سوريا جدّي وحقيقيّ، وتحديداً من قبل الإمارات، وهناك تفاؤل بإمكانية أن تشهد الفترة القادمة تعاوناً استثمارياً ركيزته القطاع الخاص في كلا البلدين.
وتالياً، إنّ الخطوة التالية - بحسب دمشق - تكمن في قدرة القطاع الخاص السوري على تقديم فرص استثمارية ذات جدوى اقتصادية لنظيره الإماراتي، والعمل على تأسيس شراكات استثمارية معه تسهم في سدّ احتياجات البلاد الأساسية من السلع والخدمات، وتوفير فرص عمل لآلاف الشباب السوري.
وتستشهد دمشق على اهتمام الشركات الإماراتية بالسوق السورية بالمشروع الَّذي جرى التوقيع عليه مؤخراً بين شركة إماراتية ووزارة الكهرباء السورية لإقامة محطة كهروضوئية، إذ لم يستلزم كثيراً من الوقت في ضوء دراسة الجدوى التي قدمها الجانب السوري.
ويبدو أنَّ مؤشرات ذلك الانفتاح يمكن أن تشمل أيضاً بعض المشروعات الاستثمارية الإماراتية الموجودة في سوريا، والتي توقفت أو جُمد العمل فيها بسبب ظروف الحرب الطويلة، إذ إنَّ المعلومات الأولية تتحدث عن إمكانية استئناف العمل في بعضها، ولا سيّما تلك التي لا يمكن لنشاطها أن يتأثر بالسياسات الاقتصادية المتبعة في البلاد حالياً، من قبيل ترشيد المستوردات، بحيث يقتصر الاستيراد في الوقت الراهن على المواد الأولية والخام اللازمة للصناعة المحلية والسلع الغذائية الأساسية.
يُذكر أنَّ كبرى الشركات الخليجية لا تزال تحتفظ منذ سنوات ما قبل الحرب باستثمارات كثيرة موزعة على عدة مجالات، من بينها العقارات والسياحة والخدمات المالية وغيرها.
ورغم مطالبة بعض الفئات الشعبية بمصادرة تلك الاستثمارات على خلفية الاتهامات، والتي وجّهت إلى بعض الحكومات بدعم المسلّحين، فإنّ الحكومة السورية حافظت على تلك الاستثمارات والعقود الموقّعة سابقاً مع مستثمرين خليجين معروفين.
محاور أساسية للتعاون!
إلى جانب محاولة إنعاش الاقتصاد السوري عبر محاولة استقطاب استثمارات عربية جديدة وضخّها في قطاعات إنتاجية وخدمية، تذهب معظم التوقعات إلى أنَّ حضور الملف الاقتصادي في الاتصالات السياسية السورية - العربية يتركز على 3 نقاط رئيسية هي:
- دعم سعر صرف الليرة، والذي يشهد ضغوطاً داخلية وخارجية شديدة لأسباب مختلفة. هذا الأمر، بحسب المحللين، يمكن أن يتم من خلال المساعدة على ضبط سيولة الليرة السورية المطروحة في بعض الأسواق الخارجية، وإمكانية تقديم مساعدة مالية بالقطع الأجنبي، إما على هيئة وديعة توضع لدى مصرف سوريا المركزي، كما حصل مع لبنان قبل عدة سنوات، وإما على شكل تسهيلات ائتمانية، كما فعلت إيران في فترة سابقة.
وبالنظر إلى الحجم المحدود حالياً للاقتصاد السوري، فإنَّ أي مبلغ يمكن أن ينعكس إيجاباً على سعر الصرف، والذي شهد مع الإعلان عن زيارة الرئيس الأسد للإمارات تحسناً قدره 120-130 ليرة في السوق الموازية.
- زيادة معدلات التبادل التجارية بين الجانبين، بحيث يتاح لدمشق تأمين احتياجاتها من السلع والمواد الأساسية، وتالياً تجنّب التكاليف المرتفعة التي تسبّبها العقوبات الأميركية والغربية، وتصدير الفائض من إنتاجها الزراعي والصناعي إلى الأسواق العربية.
وبحسب البيانات الإحصائيّة الرسمية، إنَّ قيمة المستوردات السورية من الدول العربية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 بلغت أكثر من 460 مليون يورو، في حين أنَّ إجمالي قيمة هذه المستوردات في العام 2010 كان يتجاوز 2.5 مليار دولار.
وقد تصدّرت مصر قائمة الدول العربية التي استوردت منها سوريا بقيمة مستوردات بلغت في الفترة المذكورة من العام الماضي حوالى 145.3 مليون يورو، ثم العراق ثانياً بقيمة مستوردات سورية بلغت حوالى 71.2 مليون يورو، فالإمارات العربية المتحدة ثالثاً، بقيمة مستوردات بلغت 61 مليون يورو.
أما الصادرات السورية المتجهة إلى الدول العربية، فقد بلغت قيمتها حوالى 367.8 مليون يورو خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021، وذلك مقابل 4.9 مليارات دولار في العام 2010، وهو ما يظهر حجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد السوري في العقد الثاني من القرن الحالي، جراء تراجع صادراته العربية بأكثر من 4 مليارات دولار.
وقد شكّل العراق الوجهة الرئيسية للصادرات السورية في العام الماضي، إذ استقبل خلال الفترة المذكورة ما قيمته 98.8 مليون يورو، ثم السعودية ثانياً بحوالى 86.9 مليون يورو، ثم لبنان ثالثاً بحوالى 70.3 مليون يورو.
- الحصول على دعم فنيّ والاستفادة من الإمكانيات والتجارب المؤسساتية العربية، بغية تطوير الأداء المؤسساتي لجهات الدولة وشركاتها، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار في البلاد، والتي تشكّل اليوم بوضعها الراهن عقبة أساسية أمام أي محاولة لاستقطاب استثمارات محلية أو خارجية.
مثلاً، في الزيارة الأولى له إلى دبي للمشاركة في افتتاح الجناح السوري في إطار معرض إكسبو، كان من بين مجالات التعاون التي طرحها وزير الاقتصاد السوري على نظيره الإماراتي إمكانية الاستفادة من تجربة أبو ظبي في مجال تأسيس المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي تنظر إليها الحكومة السوريّة كأولوية في جهود محاول إنعاش الاقتصاد الوطني، فضلاً عن ملفات أخرى.
دولة ثانية على الطريق!
لا تقتصر الاتصالات السوريّة في جانبها الاقتصادي اليوم على دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ إنَّ المعلومات الخاصة تؤكّد وجود اتصالات مع دولة خليجية ثانية، ترجّح التوقعات أن تكون الكويت، بالنظر إلى أن العلاقة التي تربط دمشق مع سلطنة عمان تبدو مستقرة، والعلاقة مع البحرين لم تعد جديدة، في حين ليس هناك أيّ مؤشرات علنية على مباحثات اقتصادية مع كل من السعودية وقطر، رغم أنَّ الدولتين لا تزالان تستقبلان كمية معينة من الصادرات السورية.
وللإشارة هنا، إنّ البيانات الرسمية السورية تشير إلى أن المستوردات السورية من الكويت بلغت خلال العام 2020 حوالى 5.4 ملايين يورو، والصادرات السورية إليها كانت بحدود 22.7 مليون يورو.
وعلى أمل أن تسهم عودة الدفء إلى العلاقة السورية العربية في تحقيق انفراجات ما على صعيد الأوضاع الاقتصادية الداخلية، لا يجد السوريون خياراً سوى الانتظار والتمسك بأيّ بارقة أمل!

سيريا ديلي نيوز- زياد غصن


التعليقات