مع دخول الأزمة السورية عامها الثاني عشر، مازالت العقوبات الأمريكية على سوريا المفروضة منذ سنوات عديدة، تشكل عقبة رئيسية في وجه عودة الحياة الطبيعية في سوريا، خاصة في المجال الاقتصادي.
فبعد أن نفض الصناعيون في محافظة حلب شمال سوريا، العاصمة التجارية والصناعية للبلاد، الغبار عن أنفسهم ومصانعهم، التي تضررت بفعل المعارك العاتية هناك، إلا أنهم مازالوا يواجهون عقوبات أمريكية وغربية كانت بمثابة وضع العصي بالعجلات فحالت دون حركة دوران تلك المعامل الراغبة في العمل بكل طاقتها الإنتاجية.
 وفي مدينة الصناعية بحي القاطرجي بحلب، مازالت آثار الحرب والدمار واضحة المعالم بعد مرور أكثر من ست سنوات على تحريرها من المسلحين، فالمباني المدمرة والمتضررة شاهدة على ضراوة المعارك هناك وتروي حكايات مؤلمة لمن يريد أن يسمعها.
 وبالرغم من سوداوية المشهد هناك وحجم الأضرار الكبير، إلا أن بعض أهالي حلب باتوا أكثر إصرارا على إعادة دوران عجلة الحياة، فكان صوت الآلات أعلى من صوت الحرب، وتجسد هذا المشهد في الحركة النشطة للناس والعمال هناك، الذين يريدون أن يرسموا مشهدا جديدا لحلب بعيدا عن الحرب.
 واشتهر أهالي حلب قبل نشوب الحرب بحبهم للعمل والانتاج، وكانت معظم المصانع متمركزة في المدينة وتعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع حتى في عطلة نهاية الأسبوع، الامر الذي أكسب المدينة وأهلها سمة العاصمة التجارية والصناعية.
 وعندما توقفت المعارك في مدينة حلب أواخر عام 2016، سارع الصناعيون، الذين بقوا في البلد وفي حلب، إلى محاولة إعادة بعض الألق لتلك المدينة المنهكة بالحرب عبر عودة عمل المعامل ضمن الإمكانيات المتاحة.
 وفي كل مرة لم يكن مفاجئا أن نرى هناك شيئا جديدا، ما بين مصانع عادت للعمل بعد ترميمها، وساحات هامة تم إصلاحها، وعودة الأسواق الأثرية الهامة في حلب القديمة إلى الحياة وبنفس الطراز المعماري.
 ولكن مع كل هذه الإيجابية المتجذرة بداخل أهالي حلب للخروج من تحت الأنقاض والبدء بالعمل إلا أن العقوبات الأمريكية والغربية كانت العقبة الأكبر أمام تلك الشريحة من الناس في حلب خصوصا وسوريا عموما.
 واليوم ومع مرور الذكرى الحادية عشرة للحرب، ودخولها عام جديد، لا يزال الصناعيون في حلب يعانون من نقص الوقود والكهرباء وقطع غيار آلاتهم ، فضلاً عن عدم القدرة على التصدير أو الاستيراد نتيجة تلك العقوبات.
  وقال أمين سر المنطقة الصناعية في القاطرجي عبد السلام مزيك، إن الصناعيين في حلب أسرعوا في إنفاق كل مدخراتهم لإعادة بناء مصانعهم والبدء من الصفر.
إلا أنه أشار إلى أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون أثرت على الصناعيين بمن فيهم من يعملون في صناعة النسيج، حيث يجدون صعوبة في إيجاد قطع غيار لأنوالهم والخيوط القطنية لإنتاجهم، ناهيك عن القدرة على تصدير منتجاتهم لعدم وجود معاملات بنكية من وإلى سوريا.
  وقال مزيك “بعد العقوبات التي فرضتها علينا الدول الغربية وأمريكا تأثرنا بشكل كبير، من حيث الخيوط عانى مصنعو المنسوجات من تأمين الخيوط وقطع غيار النول”.
 وأشار إلى أن حوالي 30 إلى 40 في المائة من هذه المصانع أغلقت.
  وفي مصنع نسيج بمنطقة القاطرجي، قال صالح مزيك مالك المعمل، وهو من أقارب عبد السلام، إن العقوبات الأمريكية أثرت على قدرته على تأمين خيوط القطن، مشيرا إلى أن قطع غيار آلات النسيج تكاد تكون غير موجودة وإذا تم تأمينها فهي باهظة الثمن.
 وقال الرجل البالغ من العمر (53 عاما) إنه يعمل بأقصى طاقته لأنه يريد كسب لقمة عيشه والشعور بطعم الحياة.
 وتابع “بالنسبة للصادرات، العراق فقط يستورد البعض من المنتجات، وكذلك لبنان، ولكن الآن لا توجد صادرات مثل السابق، والوضع صعب وسبل العيش تتأثر بشكل كبير”.
 وفي مصنع نسيج ثان بالمنطقة الصناعية في القاطرجي، قال عبد المنعم الهاشمي صاحب المصنع إن مصنعه كان يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع قبل الحرب، مشيرا إلى أنه الآن لا ينتج سوى نصف إنتاجه المعتاد.
 وتابع “في الماضي ، كنا نعمل على مدار العام في الشتاء والصيف، ولكننا بالكاد نستطيع الآن أن نصنع نصف إنتاجنا المعتاد في موسم واحد بسبب العقوبات وارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية للناس” .
 وأشار إلى أن رفع العقوبات الأمريكية الجائرة أمر حاسم بالنسبة للأعمال التجارية للعودة إلى أوقات ما قبل الحرب، الأمر الذي سينعكس إيجابا على الشعب السوري بشكل عام.
 ورأى الرجل أنه من أجل عودة الإنتاج كما كان في السابق، هناك عدة عوامل، تشمل أولا رفع العقوبات على الواردات والصادرات، وثانيا توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة يوميا، وكذلك الحصول على وقود كاف في حالات الطوارئ لأنه في بعض الأحيان قد تتعرض شبكة الكهرباء لبعض الأعطال.
 وأضاف أنه في الأيام الخوالي كانت الحكومة تزودنا بكل الوسائل اللازمة لمنتجات النسيج مثل الوقود وخيوط القطن وخيوط البوليستر، لقد كان دعما قويا، لكن الحكومة تبدو غير قادرة على تقديم مثل هذا اليوم.
 كانت تلك لمحة عن معاناة الصناعيين في حلب، ويمكن بالتأكيد تطبيقها على جميع الشركات في سوريا التي تأثرت بالعقوبات.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات