أصدر المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف أمس بياناً، قال إنه استجابةً للتساؤلات الكثيرة التي وردته حول ماتداولته بعض المواقع من تفسير مغلوط لسورة التين من القرآن الكريم.
بيان المجلس لم ينشر المقطع المتداول، لكنه أشار إلى أن بعض المواقع الإلكترونية تداولت مؤخراً مقطعاً يحرّف تفسير قول الله: (والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ويخرجه عن تفسيره الصحيح.
توقيت نشر البيان اثار جدلاً وتساؤلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبره البعض رداً على ما جاء به "المفتي" في تأبين الراحل صباح فخري منذ عدة أيام، حيث تناقلت بعض المواقع كلاماً منسوباً له يعتبر فيه أن خارطة سوريا موجود في سورة (التين) وأن الإنسان هو في أحسن تقويم طالما أنه موجود فيها، وأن من غادرها ينطبق عليه قول الله "ثم رددناه أسفل سافلين"!.
وحذبر البيان بأن تفسير إعجاز الخلق بهذا المفهوم الضيق بعدٌ عن المقصد الإنساني الذي أراده الله في هذه السورة، وهو كلام لا ينطلق من دراية بقواعد تفسير القرآن الكريم، كما أنه إقحام للدِّين في إطار إقليمي ضيق.
وكان المجلس انطلق في بيانه من قول الله سبحانه وتعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وقوله: (ولقد كرّمنا بني آدم)، وقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا أيها الناس إنّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدمُ من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى).
وقال البيان: "إنّ الله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظ القرآن الكريم، وائتمن العلماء الراسخين في العلم على تفسيره، وحذر سبحانه من خلط التفسير بالأهواء والمصالح البشرية، فقال جلَ شأنه :(يحرفون الكلم عن مواضعه)، أي: على حسب أهوائهم ومصالحهم.
وأضاف: "لذلك أكّد علماء الأمة الأثبات عبر أجيالها على المنهج العلمي في التفسير الذي يعتمد أصولاً دقيقة كتفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة، والتفسير على وفق قواعد اللغة العربية: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) ووفق قواعد التفسير التي يعرفها أهل الاختصاص.
ولفت البيان إلى حديث أخرجه الترمذي: "عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ).
البيان شدد: "لم يتجرأ أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على تفسير القرآن برأيه، فقد أخرج الحافظ ابن عبدالبر في الجامع لبيان العلم وفضله عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما سئل عن قوله تعالى: (وفاكهة وأبّاً) أنه قال:( أيُّ سماءٍ تُظلّني وأي أرض تُقلّني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم)؟!!! وإن التفسير بالرأي المنهي عنه هو التفسير وفق الأهواء والأغراض وليس غلقاً لباب التفكر والتدبر في آيات الله .
 وتابع البيان: "أن المفسرين قد أجمعوا  فيما ذكروه من تفسير الآيات أن الله تعالى يقسم بكل عظيم، ومنه ما خلق للإنسان مما ينفعه ويصلح حياته، وما جعل في التين والزيتون من نفع عظيم، ثم أقسم بالبقاع المقدسة، ثم بيّن سبحانه أنه خلق الإنسان الذي هو المحور الأساسيُّ في الكون في أحسن تقويم، والمقصود به كل إنسان، وليس إنساناً مخصوصاً بعينه في زمان ما أو مكان ما؛ فإن هذه عصبية مقيتة حذّر الإسلام منها ونهى عنها، ثم تحدَّث سبحانه عن أطوار الإنسان وردِّه إلى (أسفل سافلين) والذي عبّر عنه في آيات أخرى ب: (أرذل العمر )؛ للضعف الذي يصيبه بعد القوة والكمال، أو بمعنى أن الإنسان يحط من مرتبته القويمة إلى أسفل سافلين عندما يخالف أوامر الله ويعرض عنها، وهذا حال يصيب كل إنسان في كل مكان وفي كل زمان، ولا علاقة له ببلاد الشام أو غيرها من المسميات القطرية التي تتغير من زمان لآخر.
إلى ذلك قال البيان: "إن المجلس العلمي الفقهي إذ يستشعر مسؤوليته تجاه تفسير القرآن الكريم تفسيراً صحيحاً، وعدم التلاعب بمعاني القرآن، يؤكد على ضرورة التمسك بالثوابت، وعدم الانجرار وراء التفسيرات الشخصية الغريبة التي لا تسعفها لغةٌ، ولا يقرُّها منطق أو برهان، والتي تخرق إجماع الأمة، وتكون سبباً في تفريق شملها وتساهم في شق صفّها ووحدة كلمتها.
وأضاف: "أما فضل بلاد الشام فمعروف تثبته الكثير من الآيات والأحاديث الواضحة الصريحة ولا حاجة في إثباته لمثل هذه التحريفات ولي أعناق الآيات ، ولقد ألَّف كثير من العلماء كتباً عديدة في فضائل بلاد الشام، ومنهم السمعانيّ والربعيّ والحافظ ابن عبدالهادي المقدسي وابن رجب الحنبلي والسيوطي وغيرهم. ويكفينا قوله عليه الصلاة والسلام:(بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فعُمِدَ به إلى الشام، ألا وإنّ الإيمان حين تقع الفتن بالشام)، وقوله:( إن الله قد تكفّل لي بالشام وأهله).
 وشدد المجلس العلمي الفقهي في بيانه إلى أن منهج التفسير بالأغراض الشخصية أدى إلى ظهور التطرف في تفسيره من جهة أخرى؛ لأن منهج المتطرفين والتكفيريين إنما يعتمد على تحريف تفسير آيات القرآن لتنسجم مع أهدافهم التكفيرية، لذلك وجب التنويه إلى مخاطر مثل هذه التفاسير المنحرفة ومآلاتها.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات