كتب زياد غصن ...
مع كل تغيير وزاري يحصل، وكل تغيير يحدث في إدارات المؤسسات والجهات العامة، يتملكنا جميعاً التفاؤل عندما يتم اختيار أسماء “محترمة” مهنياً وسلوكياً لشغل بعض المناصب.

صحيح أن عدد هؤلاء عادة ما يكون قليلاً، لكن يبقى وجودهم في دائرة صنع القرار مصدراً للأمل، وفرصة لإحداث تغيير ما في عقلية العمل الحكومي.

ولكن، في كل مرة نصاب بالصدمة، ولا نحصد من توقعاتنا المتفائلة سوى خيبة أمل واسعة، فالسواد الأعظم من هؤلاء يتحولون إلى نسخة طبق الأصل عن صورة المسؤولين “التقليديين” لدينا من حيث طريقة التفكير والأداء.

وهذا يتبدى من خلال سلوكيات كثيرة، من قبيل إعادة إنتاجهم حلولاً تقليدية غير مجدية، إطلاق التصريحات المستفزة للرأي العام كما فعل غيرهم، السير في ملفات كانوا من أشد المعارضين لها، رفض المبادرات والاستحواذ على القرار المؤسساتي، والبعض منهم للأسف دخل في سلك الفساد الإداري والمالي… إلخ.

في هذه الظاهرة نحن أمام أنموذجين..

الأنموذج الأول، ويمثل الشخصيات التي كانت ترسم صورة مغايرة عنها لجهة السمات والمبادئ التي تتمتع أو تؤمن بها، ومع تسلمها أي مهمة إدارية اتضح أن هذه السمات والمبادئ ليست سوى كذبة…. فمثلاً الكثير ممن كانوا يدعون إلى الحوار والنقاش حول ملفات الشأن العام، تحولوا إلى “ديكتاتوريين” في فرض آرائهم ووجهات نظرهم فور تسلمهم أي منصب إداري أو اقتصادي… والأمثلة كثيرة في الماضي والحاضر.

أما الأنموذج الثاني، فهو يمثل الشخصيات التي تمتلك فعلاً سمات وخصائص مهنية وإدارية متميزة، وهنا يمكن الحديث عن عدة أسباب تدفع بهذه الشخصيات إلى “السباحة مع التيار”…

فأحياناً وتحديداً في بعض الملفات، يكون هؤلاء إما مغلوباً على أمرهم ضمن بيئة القطاع التي يعملون فيها، أو مضطرين للسير في بعض القضايا باعتبارها مشروعات حكومية متفق عليها سابقاً أو تقر من قبل الحكومة ولجانها المختلفة.

لكن غالباً ما يتم “تطويع” هؤلاء بأساليب متعددة، بحيث لا يسمح لهم أن “يغرّدوا خارج السرب” كالضغوط اليومية التي تمارس على بعضهم لحرفهم عن الخطط التي ينوون العمل عليها، أو عرقلة المشروعات والمقترحات التطويرية التي يتقدمون بها، أو وضعهم في مواجهة مبكرة مع الرأي العام حول بعض القضايا التي تحتاج إلى تغيير شامل في طريقة التعاطي والتنفيذ، إضافة إلى البنية الإدارية الموجودة في مؤسساتهم والكفيلة بتحطيم أي مشروع تطويري…!

ثقافة “التطويع” هذه “حرقت” كثيراً من الشخصيات والكفاءات الهامة، والتي كان يعول عليها في إحداث تغيير حقيقي في الأداء الحكومي.

وهي أيضاً المسؤولة، بالاشتراك مع عوامل أخرى، عن حالة عدم الثقة المسيطرة على علاقة المواطن بالمؤسسات الحكومية.

والنتيجة الأخطر أن هذه الثقافة لن تسمح بظهور أي بارقة أمل بالتغيير، وتالياً فإن ما ينتظرنا قد يكون الأسوأ بالنظر إلى حجم المشاكل التي باتت تحاصرنا.

لذلك نحن بحاجة إلى دعم ونشر ثقافة جديدة مضادة، تقوم على تحصين الأفكار الجديدة، حماية الكفاءات والخبرات، وتشجيع نهج التغيير، عملاً بالعبارة الشهيرة القائلة: إذا أردت أن تتطور باستمرار، فعليك أن تتغير باستمرار.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات