في الوقت الذي يؤخذ على الحكومة، ممثلة بمصرف سورية المركزي، الصمت المطبق حيال ما انتاب سعر صرف الليرة من تذبذب حاد، وانعكاساته المباشرة على تضخم الأسعار، مقابل تدني القوة الشرائية، ثمة من يرجح أن شيئاً ما يلوح بالأفق، وأن هذا الصمت ليس عبثياً، وإنما كان بمنزلة الغطاء على دراسة متأنية لخيارات التدخل المناسب في الوقت المناسب..
وإذا ما نظرنا – من الناحية الاقتصادية المنطقية – إلى ما اعترى سوق القطع خلال الفترة القليلة الماضية من ارتفاعات متسارعة لسعر صرف الدولار، فإن واقع الأمر يؤكد أنها غير مبررة أبداً، لاسيما وأنه لم يحدث أي طارئ خاصة على المستويين الاقتصادي والسياسي، لا بل ويؤكد بعض المتابعين لمسار الاقتصاد الوطني، وحيثياته الدقيقة، أن هناك بعض المؤشرات الدالة على تحسن البنية الاقتصادية ولو بنسبة بسيطة، أو على الأقل ثباتها عند مستوى معين، ولكنها حتماً لم تتراجع، وبالتالي من المفترض أن ينعكس ذلك بنهاية المطاف على ثبات سعر الصرف على ما كان عليه قبل الارتفاع الأخير غير المبرر..!
من هذه المؤشرات ارتفاع حجم الصادرات – ولو بشكل طفيف – خاصة إلى دول الجوار كالعراق والأردن، وارتفاع قيمة الحوالات الخارجية، مقابل انخفاض – وربما طفيف أيضاً – بالمستوردات نتيجة انخفاض القوة الشرائية، ما يعني ارتفاع حصيلة الإيرادات من القطع الأجنبي “من الصادرات والحوالات”، مقابل انحسار الطلب على هذا القطع نتيجة انخفاض المستوردات، وبالتالي يفترض انخفاض سعر صرف الدولار، أو ثباته على أقل تقدير، وليس ارتفاعه المحموم كما حصل.. لنستخلص، بناء على ما سبق، أن سبب هذا الارتفاع هو المضاربة بالدرجة الأولى، وبعد تحقيق المكاسب من هذه المضاربة سيهوي السعر إلى ما كان عليه..!
بالفعل، بدأ سعر الصرف يشهد انخفاضات تدريجية يتوقع أن تثبت عند حد معين يمكن اعتباره نقطة ارتكاز، أو توازن، أقرب ما تكون لبيضة قبان السوق التي توازن بين العرض والطلب إن صح التعبير..
إذاً، المضاربة هي السبب الفعلي وراء حمى سوق القطع، ليبقى السؤال: من الذي يضارب وما هي أدواته وأزلامه..؟
نعتقد – وفق ما بعض المعطيات – تورط بعض كبار المقترضين من المصارف بأعمال المضاربة، خاصة من يحظى منهم بما يسمى “القروض الدوارة ذات الأسقف المفتوحة”، إذ يحولون ما يحصلون عليه من قروض بالليرة السورية إلى قطع أجنبي، ويبدأون بعدها بمحاولات لرفع سعر صرف الأخير إلى مستويات عالية، ليردوه “أي القطع الأجنبي” بعد وصوله إلى هذه المستويات إلى ليرات سورية، فيتضخم ما بحوزتهم من أموال يسددون بجزء منها قرضهم “الدوار”..!
ختاماً، لا ننكر ما ينتاب الاقتصاد من مشاكل لم يتعاف منها بعد، ولا ننكر ما يواجهه من تحديات أثرت على كل مفاصله ومسار نهوضه، وكان لها تداعيات واضحة على سعر الصرف، لكن جاءت “القروض الدوارة” لتزيد طين سعر الصرف بلّة، فهي إحدى أخطر العوامل التي تؤجج المضاربة في السوق السورية، وثغرة باتت تستوجب أن تسد بشكل فوري..!

سيريا ديلي نيوز- حسن نابلسي


التعليقات