لم تقتصر الأزمة السورية على تهديد مصادر عيش السوريين ورزقهم، بل تعدتها لتغيير الكثير من عاداتهم وتقاليدهم وعواطفهم أيضاً، والتخلي عن مشاريع حالمة بالنسبة للفئة العمرية الشابة منهم والمرتبطة بالزواج والذي يعتبر في نظر المجتمع السوري على أنه خطوة لبناء المستقبل، فإن لم يكن التخلي عن الزواج هو الفكرة الأرجح، فإن التأجيل هو الاحتمال الأقل وطأة على نفس العروسين، ورغم ذلك فإن البعض وإيماناً منه بأن الأزمة السورية قد تطول وأنه يجب للحياة أن تستمر سواء بأزمة أم بغيرها فإنهم قرروا إقامة حفلاتهم وأعراسهم بمواعيدها ولكن بطبيعة الحال بطقوس وتقاليد مختلفة، فتجاوز واقع البلد أمر غير ممكن حتى لو أقيم الفرح. العرس التقليدي في ريف اللاذقية.. طقوس تسودها البهجة والتشاركية وبينما ترفض العديد من العائلات إقامة حفلات صاخبة مراعاة لعائلات الضحايا مقتصرة مراسم الزواج فيها على المقربين من العائلة، فإن عائلات أخرى غيّرت عادات وطقوس الأفراح لديها تبعاً لموقفها من الحراك السوري، فالموالون يضعون أغاني وطنية، والمعارضون يحبذون العراضات التي لاتخلو من الأغاني البطولية القديمة وخاصة في المناطق والمحافظات الساخنة، ويرى كثيرون ضمن هذه المناطق نفسها أنه من المعيب إقامة حفل زفاف ضمن الظروف الحالية. وبالعموم فإن إقامة الفرح ضمن الصالات لازال منتشراً في المناطق الهادئة أمنياً بأضعاف عما هو الحال بالمناطق الساخنة، ولكن هناك أيضاً ضوابط جديدة لإقامة الحفل ضمن الصالة، فالزفاف لايستمر لأكثر من التاسعة مساءً بأقصى حدودها، وغالباً فإن الحفلات تقام بالنهار وتنتهي في الساعة السادسة، وبمظاهر بسيطة تخلو من بهرجات تقطيع قوالب الكاتو والرقصة الرومانسية بين العروسين، كما فرضت الأوضاع تقلص عدد الحاضرين إلى الحفلات لحدود كبيرة إما لتأثرهم بالأزمة وتعاضدهم نفسياً مع المفجوعين جرائها أو لأنهم يقطنون في مناطق ساخنة. عمر جديد للزواج: كما أن طقوس الأعراس تختلف بين المحافظات السورية حسب الموقف العام للمحافظة ، في دير الزور فإن الأعراس شبه مختفية كاحتفال وطقوس، لأن سكان المنطقة بأغلبهم عشائر تعرف بعضها وفقدان شخص من العشيرة يعني فاجعة للجميع. وكذلك الوضع في حمص فالكثير من العائلات ترفض بعد نزف الدم والمجازر التي حصلت إقامة عرس أو حتى الاعتراف بفكرة الفرح من أصلها، وبالعموم تصعب الاحتفالات في المناطق المحتدة أمنياً، فالعروس تواجه صعوبات إزاء الوصول لصالة التجميل وإزاء الخروج منها والوصول للصالة، وإن تمكنت وحضرت فقد لايتمكن العريس من الحضور، فيقام العرس بلا عريس، وإن حضر الطرفين فإن أغلب المباركين من أهل العروسين يمتنعون عن الحضور والمشاركة بالفرحة. أما بالنسبة لمن ألغوا فكرة الزواج حالياً بانتظار مآل الامور فإنهم غالباً يرسمون في ذهنهم فكرة جديدة تتعلق بسن الزواج، وهذه الفكرة صارت متداولة بين الكثير من العائلات، فتعثر إقامة الأعراس والاعتراف بالأفراح جعل الكثيرين يقرون بأن سن الزواج المثالي بعد مايسمى الثورة سيتراوح بالنسبة للفتاة بين 25 و30 سنة وليس أقل من ذلك ومن 35 إلى 40 بالنسبة للذكور، لأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية لن تسمح بنزوله عن هذا الحد، فالأزمة سببت تردياً بالوضع الاقتصادي للشاب السوري، والذي كان يعتزم الزواج خلال سنتين قرر تأجيل هذه الفكرة لثماني سنوات، وخصوصاً بعد موجة تخفيض الرواتب والتسريحات التعسفية التي حصلت، حتى غدت مستلزمات الحياة اليومية أهم من مشاريع المستقبل. ونهاية، ومهما بدا الوضع الجديد مؤلماً للعروسين وبشكل خاص للعروس التي تحلم بفارس يأخذها على حصانه الأبيض، فإن الطرفين متفقان على أن ألم البلد يفوق كل الفرحات... ويبدو أن الطقوس الجديدة لن تنتهي بسرعة، فالعائلات التي فقدت أبنائها لن تقبل كما هو سائد بالمجتمع السوري بحضور فرح أو إقامته إلا بحدود ضيقة حتى بعد انتهاء الأزمة. دي برس   سيريا ديلي نيوز

التعليقات